«بالطو سيئ السمعة».. منتحلو صفة أطباء في مواجهة ضحاياهم والقانون
"أماني.ن" شابة في أوائل الثلاثينات، متزوجة منذ خمسة أعوام لكن لم ترزق بالإنجاب، فبدأت رحلة البحث عن حلول، وترددت على أكثر من عيادة نساء ومستشفى خصوبة، وخاض زوجها رحلة مماثلة، إلى أن وجدت إعلانات منتشرة عن طبيب لعلاج العقم في شوارع مدينة دمنهور، البحيرة، ومن هنا بدأت السؤال عنه، لَعّله يكون طوق النجاة لحياتها الزوجية بعد أن عاشت مهددة لسنوات من قبل حماتها بإنهائه.
"أماني" تروي لـ"الدستور" أنها حاولت جمع معلومات عنه وعن كفاءته لا سيما أن ظهوره مفاجئ نسبيًا، وبالفعل وجدت بعض سيدات ترددنّ عليه منذ عدة أشهر، فالبعض لمسن نتيجة بعد مدة علاج بسيطة، ومن هنا كسب ثقته في البحيرة حتى أن هناك من تردد عليه من محافظات ومدن مجاورة، خاصة أن منهم من كان يجبر على السفر للقاهرة لإيجاد حل للأزمة.
في البداية كان ثمن الزيارة 100 جنيه، وخلال أشهر قليلة بلغت ثلاثة أضعاف، وتحملت أماني كل تكلفة الزيارات مدة عام علاوة على العلاج الهرموني الذي ألزمها به لشهور لجانب المنشطات، ولضجرها من عدم ظهور نتيجة بدأت تسأل إن كان هناك عملية جراحية قد تجدي، لكن ظلت على علاجه، إلى أن استيقظت على نزيف حاد توجهت على إثره للطوارئ، وكان هناك التهاب شديد في الحوض نتيجة الجرعات غير المحسوبة من الهرمونات، لذا وجب إزالة الرحم على الفور، علمت أنه خطأ الطبيب لذا اشتكته فهو أنهى حلم أمومتها، لكن علمت أنه لم يكن طبيبًا بل منتحل صفة، وسجن بعد غلق مركزه لكن هذا لم يعوض خسارتها.
لم تكن هذه الحالة الفريدة التي يُنتحل فيها مدعي صفة طبيبًا، فعلى مدار السنوات الماضية تم كشف عشرات قاموا بتلك الجريمة، فمنهم "حلاق" بالجيزة، كشفت تحريات مباحث الجيزة عن أنه انتحل صفة طبيب أمراض الباطنة، وزوجته طبيبة تجميل، وحققا ثروة ضخمة وتمكنا خلال 3 سنوات الأخيرة من فتح 4 عيادات طبية بمناطق غرب الجيزة، ولقب نفسه بطبيب الغلابة بسبب حصوله على مقابل زهيد في الكشف على المرضى في المناطق الشعبية.
ولم يكن المتهم حاصلًا على مؤهل فقد فشل في دراسته بكلية علوم جامعة طنطا وقدم للعمل كممرض بأحد عيادات الدقي، ثم زور ترخيص مزاولة مهنة، وبالمثل لزوجته، ولم تكتشف حيلته إلا بعد تضرر عدد كبير من المرضى، لأنه كان يعتمد في علاجه على جروبات مواقع التواصل الاجتماعي واستشارة الأطباء عليها.
وكان المبلغ عنه نادر مصطفى، الذي يذكر أنه بدأ في التردد على عيادته في أكتوبر منذ عامين، ولاستجابته أصبح طبيبًا للأسرة، وبعد جائحة كورونا المستجد وإجراءات حظر التجول، انضم لعدد من "جروبات" الأطباء للاستعانة بآرائهم في حالات الطوارئ لكن وجد طبيبة يستشيرها في التعليقات والمنشورات، ما جعله يسأل صديقًا له بنقابة الأطباء فأعلمه أنه غير مقيد بها.
كثرة البلاغات والكشف عن المنتحلين جعلت الناس على مواقع التواصل الاجتماعي يتساءلون عن دور القانون والنقابة في حمايتهم من تلك النماذج وكياناتهم الطبية الوهمية.
فيذكر الدكتور أسامة عبدالحي الأمين العام لنقابة الأطباء، أن قانون مزاولة مهنة الطب رقم 415 لسنة 1954 وتعديلاته، نص على مجموعة من العقوبات يتعلق بعضها بمزاولة المهنة على وجه يخالف أحكام هذا القانون، وانتحال لقب طبيب، وفتح أكثر من عيادتين، ففي المادة 10 من القانون نصت على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من زوال مهنة الطب على وجه يخالف أحكام هذا القانون، وفى حالة العود يحكم بالعقوبتين معًا».
وأكد أمين عام نقابة الأطباء، أنه فى جميع الأحوال يأمر القاضي بإغلاق العيادة مع نزع اللوحات واللافتات ومصادرة الأشياء المتعلقة بالمهنة، ويأمر كذلك بنشر الحكم مرة أو أكثر من مرة فى جريدتين يعينهما على نفقة المحكوم عليه، مشيرا إلى أنه ومع ذلك، يجوز بقرار من وزير الصحة، أن يغلق بالطريق الإداري كل مكان تزاول فيه مهنة الطب بالمخالفة لأحكام هذا القانون.
وأشار «عبدالحي»، إلى أن المادة 11 من القانون نصت على أنه يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة، كل شخص غير مرخص له في مزاولة مهنة الطب يستعمل نشرات أو لوحات أو لافتات أو أية وسيلة أخرى من وسائل النشر إذا كان من شأن ذلك أن يحمل الجمهور على الاعتقاد بأن له الحق في مزاولة مهنة الطب، وكذلك كل من ينتحل لنفسه لقب طبيب أو غيره من الألقاب التي تطلق على الأشخاص المرخص لهم في مزاولة مهنة الطب.
وتابع: «كما يعاقب كل شخص غير مرخص له في مزاولة مهنة الطب وجدت عنده آلات أو عدد طبية ما لم يثبت أن وجودها لديه كان لسبب مشروع غير مزاولة مهنة الطب».
وأوضح أن المادة 12 نصت على أنه يعاقب بغرامة لا تجاوز ألف قرش كل من يخالف أحكام المادة السادسة وإذا كانت المخالفة بسبب فتح أكثر من عيادتين يجب الحكم أيضا بغلق ما زاد عن المصرح بها منها، وهي عقوبة يبدو من السهل تجاوزها لذا يطالب بتغليظها كي يحمي المرضى.