ريفيو فيلم «Soul».. رحلة البحث عن سر السعادة
أحيانا يحدث أن تبحث وتسعى وتلقي بحمل شغفك على المستقبل وتنتظر القادم، ولكن يحدث أن ما تبحث عنه بشدة عندما تصل لا يحقق لك النشوة والفرح المنشود، هناك شيء مفقود، كان يفترض للأمر أن يكون أفضل من ذلك.. ماذا حدث؟ هذا هو ما يحاول أن يجيب عنه فيلم «Soul» الذي صدر قبل أيام، للمخرج الأمريكي بيتي دوكتر، ومن إنتاج شركة الرسوم المتحركة «Pixar».
بطل الفيلم «جو جاردنر» يعيش حياة عادية ويسعى لتحقيق حلمه لكي يصل لشغفه، فمن الجميل أن تعيش ما تحب وتسبح فيه حتى يومك الأخير، ولكنه كالكثير من الناس يرضى ببدائل مشابهة أحيانا نظرا للظروف، والضغط المحيط به، وبينما كان يحب عزف موسيقى الجاز، اكتفى بالعمل كمدرس موسيقى بإحدى المدارس، تلبية لرغبة والدته التي تريد له أن يحصل على وظيفة آمنة تضمن له دفع فواتيره.
«مبروك.. حصلت على وظيفة بدوام كامل وراتب ثابت وتأمين طبي ومعاش تقاعد»، بعد سنوات من الانتظار جاءته تلك الكلمات، لتخبره أن حلم والدته، وانتظرت حاملة الخبر أن ترى انفجار الفرحة على وجهه، لكنه كان يجد صعوبة في ذلك، والدته استقبلت الخبر بفرحة شديدة، وخلال الأحداث تصله مكالمة من طالب قديم كان يدرس له، وأخبره أنه يمكنه العزف في فرقة دورثيا ويليامز.
«سأموت كرجل سعيد إذا كان بإمكاني العزف مع دورثيا ويليامز»، كان هذا شعوره عندما جاءه النبأ العظيم الذي انتظره طويلا، مع ملاحظة أنه لم يسع له أبدا، وفي طريق عودته والفرحة تطريه من على الأرض، سقط في بالوعة، وخرجت روحه!
هنا يأخذنا الفيلم لمنطقة أخرى، ما هي شرارتك؟ كل واحد منا يحتاج إلى سبب لكي يجعله يستيقظ كل يوم، ويبدأ يومه، «جو» كان يفتقد لشيء لا يعرف ما هو، رغم أنه يعرف هدفه من الحياة، لكن مع ذلك هناك جانب مفقود.
قرر «جو» التالي: «لن أموت يوم حصولي على الفرصة.. لن أموت اليوم.. حياتي بدأت للتو»، ركض عكس طريق الموت، ليبدأ رحلة شيقة للبحث عن شرارته، وتنطلق روحه في عالم ما قبل النزول للحياة أو ما نسميه نحن «عالم الذر»، وهناك تكتمل شخصيات الأرواح، وعندما تكون كذلك، تهبط للأرض لتبدأ رحلتها.
ما فعله كان مخالف لمقادير الأمور، لأن طريقه الطبيعي أن يذهب لما بعد الحياة، لا أن يعود، ولكن لشدة تمسكه بالمستقبل الذي يبحث عنه، وجد لنفسه مخرج بأن يكون «مرشد» للأرواح التي بحاجة لإكمال شخصياتها وهو دور هؤلاء المرشدين ليكملوا هذا النقص.
في «قاعة كل شيء» تعرض لحظات مميزة من حياة المرشد، ويكون شخص سبق له التواجد على الأرض، وعلى الروح أن تبحث بمساعدته عن شرارتها، ويتم تكرار التجربة مع مرشد آخر إن لم يتمكن الأول من ذلك.
أوقعه النصيب بعدما احتال بيانات شخص آخر، في الروح «22» التي فشل معها الجميع مثل الأم تيريزا ومحمد علي والعالم نيكولاس كوبرنيكوس وغيرهم، وبعد رحلة طويلة مليئة بالإثارة والأحداث، نجحا في النزول للأرض، ولكن حدث شيء خاطئ، روحه سكنت جسد قط، بينما هي سكنت جسده
الروح 22 في جسد «جو» كانت تلهو وتمرح في الحياة، وتشم الطعام وتتذوقه لأول مرة، وتتكلم مع الناس في موضوعات جديدة، وتقوم بأمور مختلفة عما اعتاد عليه جو، وعندما وجدا وسيلة للعودة للخروج من الروح، رفضت، وهربت، ولكن بعد ذلك عاد ما يمكن أن نعادله بـ«ملك الموت»، وأعادهما لعالم ما قبل الميلاد.
هنا عندما وجدت «22» أن «جو» متمسك بالعودة للحياة رغم ما فيها من بؤس، أعطته الشارة، ليتمكن من الهبوط للأرض مرة أخرى ويعود لجسده، ويحيي الحفل مع دورثيا ويليامز، ويصفق له الجمهور و«يضيع مع العزف»، وبعدما انتهى سأله دورثيا: ماذا سيحدث بعد ذلك؟ قالت: نعود غدا ونكرر نفس الأمر. شعر أن هناك شيء ناقص.. ماذا يحدث؟ عندما تحقق حلمه ولمس النشوة، لم تستمر!
ردت «دورثيا» على «جو» بالمثل التالي: «سمعت قصة عن سمكة، هذه السمكة كانت تسبح برفقة سمكة كبيرة وقالت لها: أحاول العثور على ذلك الشيء الذي يدعى المحيط، ردت السمكة الكبيرة: المحيط؟ إنه ما أنتِ فيه الآن. فردت السمكة الصغيرة هذا ماء أنا أريد المحيط».
بدأ جو يفكر، ويشعر بكل شيء يفعل به ويقدره، ثم قرر العودة مرة أخرى لهذا العالم، لكي يعيد شارة النزول للأرض للروح 22، وتنتهي رحلته هو. وتقديرا ممن يمن وصفهم بملائكة الرحمة لدوره في إلهام الروح «22»، تم منحه فرصة أخرى للعودة للحياة.
ما زلت تسأل عن الشيء الناقص؟ لماذا لا تصل الفرحة للقلب عندما يفترض بها ذلك؟، لأن الشرارة لا تتحقق بوصولك للهدف الذي تسعى له، وإنما الحياة نفسها، النظرة التي ترى بها حياتك، كل شيء تفعله في يومك، يمكن أن يكون شرارة روحك، ولكنك لا تدرك ذلك، أحيانا السعي وراء الهدف يجعلك تنسى حياتك.. وهو ما يؤدي أحيانا للتعاسة، فأنت تفعل الشيء ولا تستمتع به لأنك تعتقد أنك تبحث عن شيء آخر أبعد، شرارتك ليست هدفك.. هذه الثغرة تختفي حينما تكون مستعد للحياة.
الرسالة التي أرد اصناع العمل إيصالها من خلال دخول شخصية الروح «22» في جسد «جو»، هي أنها منحته ما كان ينقصه، شعرت بالبهجة مستخدمة كل ما كان فيه من صفات، غير أنها أضافت لها لمسة «شقاوة» ومرح وعناد، ونظرة ملونة للحياة تبعدها عن الرتابة، وهنا عرفت هي شرارتها، وهو كذلك، إنها هي الحياة نفسها.
بالطبع في الحياة الحقيقية لن تحصل على تلك الفرصة للعودة مرة أخرى وإعادة التجربة، وكلما أطلت الانتظار كلما قلت فرصك لبلوغ قمة جبل السعادة، وغرقت في وحل اليأس والاكتئاب.
عام جديد قادم علينا، فحياتك تستحق أن «تلونها لون فرحة»