البطاقة الصحية لمجتمعات راقية
نعم هى حلم كل إنسان طبيعى يتوق إلى مجتمع راقٍ متعافٍ من أمراض أخلاقية، وأمراض صحية، ومن منا لا يحلم بمجتمع صحى خالٍ من الأمراض والأوبئة، وبالتالى خالٍ من القلق، والخوف، والأمراض النفسية والجسدية، وخالٍ أيضًا من الفقر، والعوز الذى أدى إلى الجوع والعجز عن الوصول إلى لقمة عيش أو حتى كوب ماء صالح للشرب، أى أنه خالٍ من المرض، والعجز، والشيخوخة المبكرة، والموت فى مقتبل العمر.
كم من مشاهد مرعبة واجهناها فى طفولتنا، ولم تنته بمرور السنين وتقدم الشعوب، وكم من أبواب العيش التى ضاقت فى مجتمع بذاته، لكن كانت دنيا الله واسعة والأرزاق متوافرة فى مجتمعات حديثة العهد أو قديمة التاريخ، وهذه مجموعة عوامل مهمة لا غنى للإنسان عنها.
وهناك عوامل أخرى لا تقل أهمية عما ذكرناها، كسرة الخبز مثلًا، عامل أمان لا غنى عنه، وذلك حتى لا يخشى الفرد أو الجماعة ترك أبواب الدار مفتوحة فى الليل كما فى النهار، وإن كان المحللون والدارسون يعرفون أن الفقر، والمرض، والخصام، بل والتناحر والقتل مقترن فى أغلب بلاد العالم بالفقر والحاجة من جانب، والافتقار إلى العلم، والثقافة والأخلاق من الجانب الآخر.
وفى زيارات لى لعشرات الدول بقارات العالم الست، رأيت أشكالًا عديدة من المتناقضات، ففى دول بذاتها ساد فيها الأمن والاطمئنان، حتى قيل لنا: «لا يبيت بيننا جائع دون عشاه، ولا مريض دون دواه، بل فاض الخير على الجار حتى يشارك الأسرة الفقيرة من يجاورها من الأسر التى عندها ما يكفيها ويزيد على حاجتها».
فالمجتمع الذى يعرف الواجب من غير طلب أو تشجيع على فعل الخير، هو المجتمع الذى لا يترك فيه فاقد البصر دون مساعدة، سواءً من ذوى القربى أو من جار لصيق دون سؤال عن ديانة أى منهما، إنه الجار الأقرب من إخوة يعيشون بعيدًا أو الأخ لمن ليس له من أشقاء حتى أصبح الجار هو الصديق، وهو الأخ الذى فى الشدة يوجد.
أى علاقة هذه تتسع للجار وغير الجار، للغنى والفقير، للقوى والضعيف، فالكل إخوة فى الإنسانية، لهذا دعى الفرد إنسانًا وإذا تخلى عن واجبات الإنسانية فالبديل هو اللا إنسانية، مع الاعتذار للعديد من الكائنات المترابطة التى تعرف معنى الترابط والوحدة بين كل صنف منها، وقد رأينا كم يتعاونون فى تجمعهم وانتقالاتهم من منطقة لأخرى، وفقًا لتغير المناخ من موسم إلى موسم ومن موقع إلى آخر حتى لقبوا بالطيور المهاجرة، وهى تطير فى مجموعات وتسمع صوت زقزقتها وهى تتجمع فى الفضاء للرحيل معًا، وفق المناخ المناسب لها فى حينه.
المجتمع يعيش فيه الفقير والغنى بلا فضل لمن ولد فى أسرة ثرية وآخر فى أسرة محدودة القدرات، الأول ولد فى أسرة ثرية، وجاره ولد فى أسرة غير ميسورة، هذا التباين ورد فى نص صحيح يذكر فيه غنى يفيض الخير عنده بما يفوق الطاقة، وبالقرب منه جار مريض عاجز عن الحركة، لا مأوى له فكان يزحف للاقتراب من بيت الغنى لعله يرى اللقى.
المريض يتطلع إلى فضلات طعام الغنى، ولكنه لا يتمكن من ذلك، بل يهان ويبعد عن منطقة الغنى. وجاء زمن الحصاد البشرى، ومات كلاهما، فكان مكان الغنى لهيب نار محرقة، لكنها لا تنطفئ ومن فيها لا يموت، بل يحترق طول المدى، وعلى الجانب الآخر كان الرجل الفقير المبتلى بالجروح والقروح، لكن كل هذه الإصابات زالت بموت صاحبها.
فالروح لا تحمل جروحًا ولا قروحًا حتى تمنى من كان غنيًا فى دنياه أن يقترب منه جاره المصاب فى جل أعضاء الجسد، إلا أنه تميز فى صورة جميلة خالية من كل ضعف، ففى الآخرة لا مكان لكل ما كان على الأرض حتى تمنى ذلك الذى كان غنيًا فى دنياه أن يدنو منه الذى كان جريحًا مبليًا بأمراض كثيرة فى عالم دنياه تمنى الغنى أن يأتيه المريض الفقير الجريح لعله يبرد لهيب من كان غنيًا، ونسى الحقيقة التى تكررت على مسامعه فى دنياه، بأنه لا علاقة تربط أغنياء العالم غير المهتمين بفقرائه، ومن الشعر القديم والحديث ما يشير إلى هذا التباين
يقول امرؤ القيس:
ما يدرى الفقير متى غناه.. وما يدرى الغنى متى يموت.
وما تدرى إذا يممت أرضًا.. بأى الأرض يدركك المشيب.
ومن قول أحد شعراء الجاهلية:
فما يدرى الفقير متى غناه.. وما يدرى الغنى متى يعيل.