مسلسل اغتيال رجال الأمن «2»
عمليات الرصد من الشارع للأفراد أو لمبنى مخابراتى أو أمنى سهلة جدا، لأن تلك المبانى والمقار معروفة للجميع، وبالتالى يسهل لمن يجلس على مقهى قريب أو فى المواجهة، رصد كل الداخلين للمبنى أو المقر والخارجين منه، وبالتالى التعرف عليهم، ورصد مواعيد وصولهم ومغادرتهم، وكيفيتها وطرق الحراسة ونوع الأسلحة، وهو ما يسهل كثيرا من عمليات المتابعة، خصوصا مع سهولة الاتصال والإبلاغ.
وهو ما حدث مع اللواء رءوف خيرت - وكيل الإدارة العامة لمباحث أمن الدولة- الذى اغتيل فى 16 أبريل 1994 فى الساعة العاشرة صباحا أمام منزله، وكان اللواء خيرت هو المسئول الأول عن مكافحة التطرف الدينى فى جهاز مباحث أمن الدولة.
فقد فوجئ أهالى شارع مهران فى منطقة الهرم بسيارة ماركة بيجو بيضاء اللون تسير ببطء لمسافة عشرة أمتار والنيران مشتعلة فيها، ولم تفلح جهود المواطنين فى إطفائها، وبعد أن سيطروا على النيران شاهدوا جثة رجل على مقعد السيارة. وقد أجمع شهود الحادث على أن خمسة أشخاص غير ملتحين كانوا يستقلون سيارة «ميتسوبيشى» بأرقام مطموسة، ومعهم دراجات واشترك ثلاثة منهم فى عملية الاغتيال، وألقى الآخران عبوات ناسفة داخل السيارة وأمامها، وانسحب الثلاثة فى ثوان ليستقلوا السيارة هاربين إلى شارع فيصل المجاور، ولم يتمكن شهود الحادث من الإدلاء بأوصاف محددة لمرتكبى الحادث. وهو أيضا نفس ما حدث مع سيد أبو يحيى -صاحب معرض للسيارات- وكان الشاهد الرئيسى فى قضية محاولة اغتيال الدكتور عاطف صدقى- رئيس الوزراء الأسبق- يوم 25 نوفمبر 1993، كان من شأن شهادة سيد أبو يحيى أنها ساعدت على القبض على المتهمين بعد أن قام بمطاردتهم بسيارته وتمكن من القبض على أحدهم، وأدلى الأخير باعترافات أدت إلى القبض على شركائه، وقد تم اغتيال هذا الشاهد يوم 4 فبراير 1994 قبل أن يدلى بشهادته أمام المحكمة. والغريب أن أجهزة الأمن فى مصر لا تستفيد من تجاربها السابقة. مع أنها لديها رصيد متراكم، وخبرات سابقة طويلة فى التعامل مع مثل تلك الأنواع من الإرهاب فى سنوات التسعينيات. ومن ناحية أخرى ينبغى على الدولة أن تحمى رجال الأمن الوطنى. فتفصل عملهم الأمنى عن العمل السياسى. والمعروف أن رجال الأمن الوطنى تكلفهم الحكومة ببعض المهام السياسية، كالاتصال بزعماء المعارضة، أو نقل توجيهات محددة لهم، والتوفيق بين وجهات النظر السياسية المتعارضة، وهذا ما يجعلهم يتعاملون مع الجماهير. وهذا ما يجعلهم فريسة سهلة للاغتيال، وكان يجب أن يتم الفصل بين عمل جهاز الأمن الوطنى الأمنى، وعمله السياسى، وأن يتم توفير الحماية للضباط والأفراد الذين توكل إليهم قضايا حساسة، مثل تلك القضية التى كلف بها المقدم محمد مبروك. ويجب أن يبقى المتعاملون مع القضايا الكبرى والحساسة، فى مأمن من الرصد أو الكشف، حتى لو أدى الأمر إلى استخدام مقار لا يسهل اكتشافها أو رصدها. وبعيداً عن المقار الرسمية، وأن تكون هناك أسماء حركية يتعارف بها القائمون على تلك القضايا فيما بينهم.
■ خبير أمنى