رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ظلال اصطياد الرجل الثانى لتنظيم القاعدة


«أبومحسن المصرى»، الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة، أعلنت أفغانستان هذا الأسبوع أن قواتها الأمنية تمكنت من الوصول إلى مقر اختبائه، ومن ثم قامت القوات بتصفيته فى هذه العملية النوعية، التى وقعت بولاية «غوزنة» شرقى أفغانستان. هذا الإعلان وصف هذا القيادى الإرهابى مصرى الجنسية، باعتباره يشغل منصب الرجل الثانى بعد زعيم القاعدة «أيمن الظواهرى»، فى حين هناك من يؤكد أن المصرى منذ سنوات يعد القائد الأعلى للتنظيم فى شبه القارة الهندية، وأنه يدير على الأرض عملية التنافس الشرسة بين التنظيم التاريخى، والقادم الجديد تنظيم «داعش»، على مساحات النفوذ واستقطاب العناصر والمناصرين، وإقامة تحالفات محلية داخل بيئة الحركة التى يتسابق كل تنظيم على الاستحواذ فيها على أعمق تأثير ممكن.
القيادى البارز «أبومحسن المصرى»، مدرج على قائمة الإرهابيين المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الاتحادى الأمريكى، لكن بعد مرور أيام على العملية التى تولت مديرية الأمن الوطنية فى أفغانستان الإعلان عنها، امتنع مكتب التحقيقات الأمريكى عن التعليق. لكن حسب ما هو مسجل من معلومات لدى المكتب الاتحادى، فإن «أبومحسن المصرى» هو مصرى الجنسية، وأن الاسم السابق ذكره هو الاسم الحركى له داخل صفوف «القاعدة»، بينما يحمل المذكور اسم «حسام عبدالرءوف». وهو فى أوراق وسجلات المكتب قيد الملاحقة «فئة أولى»، على خلفية ارتكابه جريمة لها توصيف عام هو، تقديم دعم مادى وموارد لمنظمة إرهابية أجنبية والتآمر لقتل أمريكيين. الولايات المتحدة ربما بدأت مؤخرًا سحب قواتها تدريجيًا من أفغانستان، بعد إبرام اتفاق مع طالبان فى فبراير الماضى، لكنها تظل معنية على نحو كبير بمتابعة النشاط الإرهابى المسلح، داخل أفغانستان ومحيطها بعد ١٩ عامًا على العملية العسكرية الأمريكية، التى شنتها الولايات المتحدة للإطاحة بحركة «طالبان» التى كانت تتقلد الحكم حينئذ. العملية العسكرية أعلن عنها حينها باعتبارها من قوات «تحالف دولى» تشكل على خلفية هجوم «القاعدة» على الولايات المتحدة فى ١١ سبتمبر ٢٠٠١، لكن ظل واقعيًا الأمر ما بين الولايات المتحدة وبين التنظيم وحواضنه ومناصريه، وفى عديد من جولاته ضد «طالبان» بالطبع باعتبارها صاحبة الأرض. ظلت مساهمات الدول الأخرى رمزية واستخباراتية، بأكثر من المشاركة الميدانية التى ظلت القوات الأمريكية تحمل عبئها الأكبر، وبعد مرور السنوات التسع عشرة وما جرى فيها توصلت إلى رؤية توقيع الاتفاق الأخير مع «طالبان»، وهو لم يقيد حركة عملها على ملف مكافحة الإرهاب الدولى، والذى تظل «القاعدة» و«داعش» كتنظيمات مكتملة وفروعها هى ما يمكن اندراجها تحت تلك التسمية.
من المقرر أن يؤدى الاتفاق الذى جرى إبرامه بين الولايات المتحدة و«طالبان»، إلى مغادرة القوات الأجنبية أفغانستان بحلول شهر مايو ٢٠٢١، مقابل ضمانات لمكافحة الإرهاب من قبل حركة «طالبان»، التى وافقت على التفاوض على وقف دائم لإطلاق النار وصيغة لتقاسم داخلى للسلطة مع الحكومة الأفغانية المشكلة حاليًا. لكن هذا الاتفاق يتعرض اليوم لتعثر كبير وتحديات ليست هينة، فقد احتدم القتال مؤخرًا بين الحركة والقوات التابعة للحكومة الأفغانية، أى بين شركاء المستقبل الافتراضيين. ففى بداية الشهر الماضى، شنت حركة طالبان هجومًا كبيرًا ونوعيًا، على «قاعدة عسكرية» تقع شرقى أفغانستان، مما أسفر عن مقتل نحو ١٠ جنود على الأقل، حيث قام انتحارى تابع للحركة باستهداف بوابة مدخل القاعدة العسكرية فى «غارديز»، عاصمة ولاية بكتيا، فى الوقت الذى تولت مجموعة مسلحة أخرى إطلاق النار بكثافة على قوات الأمن الأفغانية، فى المكان ومحيطه لمنع تقدم قوات الإسناد للتعامل مع الهجوم. وجرت حينها معركة كبيرة، استخدمت فيها أنواع من الأسلحة المتقدمة ألقت بظلال كثيفة، حول هذا التطور التسليحى الذى امتلكته الحركة على نحو مفاجئ.
أعلن حينها «ذبيح الله مجاهد» المتحدث باسم «طالبان»، مسئولية الحركة عن الهجوم، الذى جرى على خلفية تعيين الرئيس الأفغانى لـ«٤٦ عضوًا» فى مجلس المصالحة الوطنية، الذى سيكون له القول الفصل فيما إذا كانت الحكومة ستوقع اتفاق سلام مع طالبان. فقد كانت هناك قضايا إشكالية على مائدة التفاوض، الذى توقعت الحكومة الأفغانية، أن يكون عملًا مطولًا وشاقًا. فقد دعت الولايات المتحدة أثناء تفاوضها مع «طالبان»، أن تقوم الحركة بالإفراج عن «١٠٠٠ عنصر» من أفراد الحكومة والجيش الذين تحتجزهم. فيما تقوم الحكومة بالمقابل فى عملية تبادل للسجناء بالإفراج عن «٥٠٠٠ سجين» من أعضاء الحركة، باعتبار تلك الخطوة بمثابة بادرة حسن نية قبل المفاوضات بين الطرفين الأفغانيين. وحسب الاتفاق أيضًا؛ ستعمل واشنطن فورًا على خطة مع كل الأطراف المعنية، للإفراج عن السجناء السياسيين وجميع المقاتلين فى أفغانستان، حيث ينص الاتفاق على تعهد واشنطن برفع العقوبات عن أعضاء حركة طالبان بحلول نهاية عام ٢٠٢٠.
لكن وزير الخارجية الأمريكى «مارك بومبيو» حث حركة طالبان، وقت توقيع الاتفاق على الالتزام بوعودها بـ«قطع العلاقات» مع تنظيم القاعدة، ومواصلة محاربة تنظيم داعش، وهو ما لم تتخذ الحركة خطوات عملية فيه حتى الآن. مما يثير شكوكًا كبيرة حول قابلية المضى قدمًا فى تنفيذ الاتفاق بصورة فعلية، خلال الفترة القليلة المقبلة على الأقل، وهو فى هذا الإطار يعيد إلقاء الضوء على عملية تصفية الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة، والسؤال حول مساحة المشاركة الأمريكية فيها، وإن ظلت غير معلنة، لكن حجم الدور فيها قد لا يقف عند حدود الدعم الاستخباراتى، وهو متوقع بالطبع، لكن قد يكون الأمر أبعد من ذلك، حيث يشمل رسم وهندسة نفوذ أذرع طالبان قبل جلوسها المرتقب مع الحكومة، والذى هو قيد التعثر والمناورة حتى اللحظة.