الإخوان أضاعوا مصر.. بصبيانيتهم
تبقى الشهادة قوية، إذا جاءت من أهلها.. فأهل مكة أدرى بشعابها.. ولا يمكن أن يرى جماعة «الإخوان» بدقة، ويَعرف ما تخفى صدور أعضائها إلا من كان بداخلها، فما بالنا، لو كان من أقطابها.
وعلى الرغم من العديد من الكتب والدراسات التى تناولت سيرة قادة «الإخوان»، وعددت أعمال التنظيم وجرائمه الإرهابية، وتبنيه مناهج سيد قطب فى العنف والتطرف، فإن شهادة راشد الغنوشى، رئيس حزب النهضة الإخوانى فى تونس، فى جماعة إخوان مصر تظل فى نظرى، وثيقة دامغة، تُعرى من هم فى البيت الإخوانى، وتكشف خبيئة نفوسهم، ليس كرهًا منه لهم، بقدر ما جاءت تعبيرًا عن غليان صدره، من أفراد الإخوان الذين ضيعوا على تنظيمهم الدولى الجائزة الكبرى، مصر.
وثيقة أرسل بها إلى اجتماع قادة التنظيم الدولى للإخوان فى إسطنبول، لكن أردوغان، الذى ترأس الاجتماع، حجبها عن الحضور، لاحتوائها على انتقادات لاذعة ضد أفراد إخوان مصر، حيث يؤكد فيها، أنهم «تصرفوا بطريقة صبيانية أدت إلى فقدهم الحكم»، وما لبث الغنوشى حتى نشرها، وأخرجها للعلن.
يصف «الغنوشى» موقف جماعة «الإخوان» وغيرها من الأحزاب والتيارات، من هبّة الشعب المصرى فى يناير ٢٠١١، بأنه «لا يمكن لأى حزب أو قيادة أن تدعى أنها هى صاحبة الانطلاق، فقد التحق عناصر الإخوان، كغيرهم، بالجماهير بدلًا من أن يقودوها، وكان الإخوان، كغيرهم، حذرين من هذا التحرك الشعبى، لم يراهنوا للحظة على نتائجه ولم يريدوا أن يدفعوا ثمن مشاركتهم فى حال فشلت هذه الثورة الشعبية».. لكن، فى اليوم السادس للثورة، يقول الغنوشى: اتصلت بمكتب الإرشاد، وقلت لهم إن الشعب لن يخطو أى خطوة إلى الوراء، فألقوا بكل ثقلكم فيها، اعملوا على تأطير الجماهير وحددوا مطالبها حسب الأولويات، ولا تساوموا ولا تفاوضوا على بقاء النظام، لأنه فى هذه الحالة سوف تلفظكم الجماهير وتسقطكم بمعية النظام.. وسقط النظام على صخر صمود الشارع المصرى، مع أن كل الأحزاب، وفى طليعتها الإخوان، كانت تساوم النظام على تغيير شكله وليس جوهره!.. بعد ذلك حصلت انتخابات مجلس الشعب، ومنذ اللحظة الأولى، أعلنت جماعة «الإخوان» عن أنها سوف تكتفى فى هذه المرحلة بالتنافس على أصوات المجلس، وأنها لا تفكر مطلقًا فى رئاسة الجمهورية، بل زادت بأنها لن تنافس على أغلبية المجلس، وسوف تسهم مع بقية الأحزاب فى تركيبة المجلس بثقل معقول.. ولكن للأسف، سارت الأمور عكس ما قالت، وهيمنت على الأغلبية هى وحلفاؤها، ثم استفردت بالمجلس، فشكلت لجانه وفق رغباتها ومصالحها، ولم تراعِ للحظة باقى شرائح الشعب المصرى التى صنعت الثورة، فلم يرَ المواطن فيما حصل، سوى استبدال الحزب الوطنى المنحل بالإخوان!.. وهنا يعترف «الغنوشى» بأن فوز الإخوان فى البرلمان، «لم يعكس حقيقة قوة وأغلبية الإخوان، لأن النتائج لم تكن سوى تعبير عاطفى، غير عقلانى، من الشعب.. جاءت النتائج على شكل (هيصة النصر)».
كانت الصدمة الأكبر، عندما أخذ الجماعة الغرور بعيدًا، فأرادت أن تحكم سيطرتها على مفاصل الدولة المصرية كلها، بأدوات مقصورة، فقررت المشاركة فى انتخابات الرئاسة.. يقول «الغنوشى»: جاءنى خبر ترشحهم للرئاسة، وكنت فى اجتماع لمجلس شورى حزب النهضة، فقلت لنفسى وللمجتمعين (الله يعوض عليكم فى إخوانكم فى مصر)، قرروا بهذه الخطوة تسريع نهاية تجربتهم.. وهنا تنبأ «الغنوشى»، بأن الثورة على حكم الإخوان مصر، قادمة لا محالة، «كانت الصدمة كبيرة عندما لم يحصلوا على أكثر من خمسة ملايين صوت، فأدركت، وأدرك معى الآخرون أن الشعب المصرى بدأ حسابه مبكرًا مع الإخوان، وأن باب الحساب لن يغلق بعد اليوم»، فقوة «الإخوان» فى مصر تمثلت فى خمسة ملايين صوت فى الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة، وثبت أن هذا ما تقدر على حشده، من تنظيمها والتنظيمات المتحالفة معها.
واصل مرشح «الإخوان» الانتخابات، فنجح نجاحًا هزيلًا فى انتخابات الإعادة.. ولكن فجوة كبيرة بينها وبين الشعب المصرى قد بدأت تتسع، فالشعب الذى احتضن رموزها ورفعهم فى وجه النظام السابق قد بدأ يلفظهم.. أصبح من الإخوان رئيس، والرئيس يعمل فى مكتب الإرشاد، وشكّلت جماعة الإخوان حكومة جديدة، تتسرع وتتسارع لتمكين الإخوان من الدولة.. «ابتعد الإخوان كثيرًا عن الشارع الذى كان ينتظر الكثير منهم.. انشغلوا بأمور الدولة ليتمكنوا منها، وابتعدوا عن الشعب، فعزلهم».
كان الجيش يراقب، والتقى قادته الرئيس وقادة الإخوان، فلم يستجيبوا لنصائحهم، ولم يهتموا بمطالب الشعب، بل، لم يتجاوبوا مع أدناها، «لأن اللحظة النرجسية والغرور الإخوانى كانا مسيطرين، فلم يستمعوا لأحد ولم يستخلصوا العبر».. كانت هناك دعوات، من قِبل تنظيمات وأحزاب وأشخاص، إلى القيام بتحركات وفعاليات، لكن تقديرات قادة الإخوان أن هذا سيكون هزيلًا، بل سبقوا بتحركات موازية، ولكن للأسف كانت هزيلة.. تحرك الشعب ونزل إلى الشوارع، وأعطى فرصة لـقادة الإخوان ليستدركوا ويتراجعوا فلم يفعلوا، فنزلت الملايين فى ٣٠ يونيو، وجماعة الإخوان ظلت تناقش وتجادل وتكابر، بأن من نزلوا لا يتجاوز عددهم العشرات أو مئات الآلاف.. لكن ما حدث فى الواقع، جاء بحاضنة شعبية، فاقت أضعاف ما حصلت عليه من أصوات فى انتخابات الرئاسة.. ولم تجد جماعة الإخوان إلا الارتماء فى أحضان التنظيمات الجهادية والسلفية، لمساعدتها فى استرداد شرعيتها، وهنا بدأت الإخوان تعمل لدى هذه التنظيمات، وفق ما ترى هذه التنظيمات، والإخوان، تسير خلفها.
لقد أخطأت جماعة «الإخوان» فى مصر، مرة ثانية- يؤكد الغنوشى- وأخطأ حلفاؤها معها.. لقد دفعها الإخوة فى قطر لأزمة مع دول الخليج، فى وقت كانت فيه «الإخوان» فى مصر بحاجة لهذه الدول ودعمها، لكن الأفكار بدأت تراود البعض فى قيادة الإخوان بمصر فى تصدير الثورة، فتنبه قادة الخليج لخطرها، مع أن تاريخ دول الخليج مع «الإخوان» كان جيدًا، ولم تنجح «الإخوان» فى طمأنتها، بل كانت بمثابة صندوق بريد مرسل من أطراف إقليمية، أهمها تركيا وقطر، وغير إقليمية.. لقد استخدمها حلفاؤها أكثر مما استخدمت «الإخوان» حلفاءها فى بقائها.. فكانت براقش، التى جنت على نفسها!.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.