الانتصار الأكتوبري.. ومضخة الانتماء!
هل تعلمون أنه لم يبق من الزمن إلا ثلاث سنوات فقط؛ ليسعد كل من يعيش على أرض مصر المحروسة بروعة وجمال الاحتفال باليوبيل الذهبي للانتصار الأكتوبري العظيم؟!
وأنا حين أطرح هذا السؤال.. أعلم تمامًا قيمة وأهمية الزمن.. هذا الزمن الذي يعتِّق الأحداث والوقائع في أقبية الوقت؛ ويساعد على تمكين الإنسان من الرؤية الثاقبة؛ واستبيان كُنه الأحداث والمواقف والخبايا التي أثَّرت فيها وشكَّلتها؛ وكذا مواقف الرجال صناع القرار.. فإنني أتخيل هذا الإنسان كمن يدخل إلى معرض للفن التشكيلي؛ ليقف أمام لوحة بذاتها للتأمل والوقوف على سيكولوجية خطوط الفنان وريشته وألوانه؛ فيضطر ـ تلقائيًا ـ للرجوع خطوات إلى الخلف لاستجماع الرؤية الشاملة والوقوف على أدق التفاصيل في اللوحة المعروضة!
وهكذا.. تعطينا الرؤية الحقيقية ـ عبر البُعد الزمني ـ مدى انعكاس آثار انتصار أكتوبر العظيم وتداعياته الإيجابية على الموقف المصري بصفةٍ خاصة والعربي بصفةٍ عامة؛ ويأتي هذا في ظل احتفالنا هذه الأيام بالذكرى السابعة والأربعين لهذا الانتصار التاريخي على العدو الأبدي والأزلي للأمة العربية .. بل هو عدو الإنسانية على طول الزمن والتاريخ منذ خرج هاربًا من بطشهم "موسى الكليم " من بر مصر .. ليعبر البحر الأحمر إلى سنوات التيه في سيناء !
ولعله من الإنصاف لرجالات تلك الفترة المضيئة من تاريخ مصر؛ ضرورة أن نلقي الضوء على دور كل من كانوا على الساحة الاجتماعية والسياسية والعسكرية؛ فلا توجد ثمار بلا شجرة وضعت بذورها في تربة الوطن أصابع مخلصة نظرت إلى المستقبل نظرة موضوعية؛ لهذا جاءت لوحة انتصار اكتوبر المجيد .. ثمرة ناضجة طيبة من صُلب شجرة "حرب الاستنزاف " التي خاضتها القوات المسلحة المصرية بعد إعادة التسليح في وقتٍ قياسي قامت به القيادة السياسية المصرية آنذاك؛ وكانت بريشة وقلم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بالخطة التي عُرفت ـ فيما بعد ـ بالخطة ( 200 )؛ وهي التي تضمنتها دفَّتيْ "كراسة عبد الناصر" الشخصية التي تركها في خزانته بمنزله؛ وهي الحرب الضروس التي استنزفت قوى ومعدات العدو على مدار عامين من القتال في عمق مواقعه داخل سيناء المحتلة، وهو الأمر الذي اعترف به ساسة الكيان الصهيوني الإسرائيلي بعد أن وضعت الحرب أوزارها؛ وبداية محادثات ماسمِّي بـ " محادثات السلام" التي بدأت بالكيلو ( 101 ) بطريق السويس !؛ والتي أسفرت ـ ببعض الشروط الواردة بالمعاهدة ـ عن استرداد كامل الأراضي المصرية التي دنسها العدو في عام النكسة المؤقتة 1967 ! ولكن لهذا حديثًا آخر لايتسع المجال له الآن .
ولنا أن نذكر أنه بعد غياب عبد الناصر .. كان الفضل ـ بالتأكيد ـ لللرئيس الراحل محمد أنور السادات صاحب اتخاذ قرار الحرب والعبور شرقًا بقواتنا المسلحة بقادتها ومهندسيها وعلماء الجغرافيا والطبوغرافيا ـ عبر المانع المائي قناة السويس ـ إلى سيناء؛ ليقول المقاتل المصري الشجاع كلمته؛ كما قالها منذ قاتل بشرفٍ وانتماء مصري أصيل في صفوف جيش مينا وأحمس ورمسيس و .. عبد الناصر ! ولكم أن تتخيلوا حجم من استشهدوا خلال ذاك التاريخ الطويل من الدفاع عن الكرامة والحرية من أجل تحرير الوطن من رجس الدخلاء أعداء الإنسانية .. والتاريخ !
ولهذا جاءت كلمة القائد والزعيم الرئيس/عبد الفتاح السيسي؛ في احتفالية هذا العام بمثابة تحية خالصة للشهداء الأبرار؛ إذ يقول سيادته :
" في ذكرى نصر أكتوبر العظيم ، أتوجه بتحية إجلال واعتزاز لشهداء وأبطال القوات المسلحة على ماتركوه لنا من وطن حر تحت السيادة الوطنية لايقبل خضوعًا ولا مهانة . وانني أنتهز هذه المناسبة التاريخية العظيمة، لأؤكد أن القوات المسلحة ورجالها البواسل، لعاقدون العزم على مواصلة المسيرة والحفقاظ على الأرض وصون كرامة الشعب الذي يربطه بجيشه الوطني ميثاق وعهد .. وعقد لن ينفرط أبدًا .
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها من كل سوءٍ وشر " .
وإحقاقًا للحق .. تلك هي النظرة من علٍ ـ والتي يجب أن تكون ـ على أعمال الرجال الذين أسهموا في صنع هذا الانتصار العظيم؛ دون التحيز لشخصيةٍ ما بالتبجيل والتعظيم؛ وإنكار دور آخرين ممن وضعوا اللبنة الأولى لصرح هذا الانتصار؛ حتى لنكاد نقول : "إن كل حزبٍ بما لديهم فرحون" ! فأقدار الرجال الأفذاذ لايغفلها كتاب التاريخ في المتن والهوامش، فيضعهم في الأماكن الرفيعة بين رجالات الوطن من سياسيين وعسكريين واقتصاديين وعلماء اجتماع، فالأوطان دون هؤلاء الرجال كالهشيم وسط نيران الأحقاد والأطماع الاستعمارية القميئة التي لم ولن تتوقف عن محاولات الهدم والتخريب؛ تلك الأطماع التي تستهدف محو الهوية المصرية ومحاولة اجتثاث جذور الانتماء من تربة هذا الوطن العظيم منذ فجر التاريخ .. ولكن كل مصري شريف يقف بالمرصاد ـ على مر العصور ـ لمخططات هؤلاء الذين لايعرفون قيمة وقدسية الوطن ،فانتصاراتنا بحق مضخة تعزيز لانتماء المصريين لتراب أرض مصرنا المحروسة.
وأخيرا .. ما أجمل الإطلالة على انتصارات الوطن عبر التاريخ والزمن؛ حتى نرى الصورة أكثر وضوحًا ونعرف أقدار الرجال الذين وهبوا حياتهم فداء للوطن ؛ وحتى نحيا هذه اللحظات الخالدة من تاريخنا .. ونرفع أكف الضراعة إلى الله أن نحتفل باليوبيل الذهبي تحت ظلال القيادة السياسية الوطنية؛ بقيادة هذا الرجل الوطني الشريف الأمين الذي بعثته الأقدار لريادة هذا البلد الأمين .
قولوا معي : آمــــــــــــــــــــــين !
أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعي بأكاديمية الفنون