تقرير: تركيا تتوسع فى تجنيد عملائها داخل الاتحاد الأوروبى
قالت مصادر مخابراتية غربية لدورية نورديك مونيتور– التى تصدر فى ستوكهولم– إن هناك أدلة دامغة على اتساع نطاق أنشطة التجنيد التى تقوم بها الاستخبارات العامة التركية فى بلدان الاتحاد الأوروبى.
وأضافت المصادر– التى طلبت عدم التعريف بها– أن الجانب الأعظم من هذا النشاط التجنيدى يتم بصورة أكبر فى النمسا وفرنسا مقارنة بباقي دول الاتحاد الأوروبى بحكم وجود جاليات تركية كبيرة فيهما، كما تبين لأجهزة مكافحة التجسس الأوروبية أن نشاط المخابرات التركية التجنيدى للعملاء يهدف فى المقام الأول الى جمع المعلومات والتأثير السياسى من خلال عمليات الشحن النفسي والإعلامى ضد من يراهم أردوجان خصومًا لسياساته من خلال إًشاعة الفوضى والتوترات الداخلية اعتمادا على مبررات مضللة.
وأكدت المصادر أن النمسا وفرنسا تتصدران قائمة البلدان الأوروبية الأعلى استهدافًا من جانب أنشطة وعمليات المخابرات التركية، وانه يتم انتقاء العملاء وتجنيدهم فى كلا البلدين بعناية شديدة مع مراعاة تواجدهم فى مواقع عمل مهمة وفى مقدمة من تسعى الاستخبارات التركية إلى استمالتهم وتجنيدهم المقاولين وأصحاب الشركات المدنية المتعاقدة أو المتعاملة مع الحكومات والهيئات ذات الطبيعة الأمنية والعسكرية ومقاولي المشروعات الدفاعية.
وبحسب التقارير الأوروبية، تشكل الرابطة الوطنية لأتراك المهجر ذراعًا سريًا للاستخبارات العامة التركية فى تنفيذ عمليات معظم عمليات التجنيد والاستهداف تلك وهو النشاط الذى التى بانت خطورته فى تقرير صدر عن المرصد الأوروبي لمكافحة التطرف ونشرت أجزاء منه المنصات الإعلامية الأوروبية المهتمة بالشأن المخابراتى ومكافحة التجسس.
ويبين التقرير الأوروبى بالأدلة الدامغة وبالأسماء تورط وكالة أتراك المهجر التابعة للرئاسة التركية وأذرع العمل الأهلى المرتبطة بها فى أنشطة تجنيد وتشغيل لعملاء التجسس من الأتراك المقيمين فى خارج تركيا لأغراض العمل أو الدراسة، وكذلك تعمل وكالة أتراك المهجر كذراع للنظام الحاكم فى تركيا لممارسة الضغط والابتزاز السياسى حال نشوب خلاف بين تركيا وأي من جيرانها فى منطقة الاتحاد الأوروبي من خلال تجييش الطلبة الأتراك المغتربين لتنظيم الفعاليات الاحتجاجية الحاشدة للرأى العام.
يقول التقرير "تلعب وكالة أتراك المهجر التركية هذا الدور مستفيدة من أجواء الانفتاح والديمقراطية التى تتحلى بها المجتمعات الأوروبية، ويتم ذلك فى فى الوقت الذي تشدد فيه أنقرة إزاء إنشاء اي كيانات أو روابط للجاليات الأجنبية المقيمة على أراضيها".
وبحسب المعلومات المتاحة، رصدت أجهزة الاستخبارات الأوروبية تحركات لافتة فى الفترة الأخيرة من جانب الاستخبارات التركية لتوسيع نطاق عمليات تجنيد العملاء من الأتراك وغير الأتراك فى البلدان الأوروبية.
وكشفت دورية نورديك مونيتور المقربة من دوائر الأمن والاستخبارات فى المجلس الأوروبى عن أنه مع احتدام التدخل التركى فى ليبيا والصراع على مياه شرق المتوسط لجأت تركيا الى المنظمات الانسانية والخيرية والثقافية كأذرع عمل مكشوفة تتولى تنفيذ خطة الاستخبارات التركية السرية لتوسيع قاعدة العملاء والمبلغين عبر أراضى الاتحاد الأوروبى وكل ذلك كان يتم تحت مظلة الوكالة الوطينة لأتراك المهجر.
ووفقًا للتقرير الأوروبى تقوم الاستخبارات التركية Turkish intelligence agency MIT بزرع عملاء لها فى كافة مراكز صنع القرار الأوروبية المهمة التى تتعامل مع الأتراك وغير الأتراك وكذلك تنشط الاستخبارات التركية فى اوساط الجاليات الإسلامية فى بلدان الاتحاد الأوروبى بقصد البحث والانتقاء لجيل جديد من العملاء والجواسيس لحساب الدولة التركية.
ويشكل صدور هذا التقرير الأوروبى صفعة على وجه الاستخبارات التركية التى كانت تعتقد أنها تقوم بتحرك سرى ناجح وهى لا تدرى أن نشاطها فى حقيقة الأمر كان مكشوفًا أمام أجهزة مكافحة التجسس الأوروبية التى سرعان ما تبادلت المعلومات فيما بينها وأطلقت تقريرها عبر دورية نورديك مونتيتور المتخصصة فى مكافحة التطرف كرسالة الى النظام التركى.
وذكر التقرير الأوروبى أن الاستخبارات التركية لجأت إلى استخدام المنظمات غير الحكومية وشبه الرسمية وفى مقدمتها وكالة التعاون والتنسيق التركية (TİKA ) ولفت التقرير إلى أنه مما يؤكد ارتباط وكالات التعاون الدولى شبه الحكومية التركية بعمل الاستخبارات التركية وبأنشطتها قيام الرئيس التركى رجب طيب أردوجان بتعيين حقان فيدان رئيسًا للاستخبارات التركية العامة فى العام 2010 وكان يعمل قبل ذلك فى وكالة التعاون والنسيق الدولى التركية TİKA السابق الإشارة إليها وقد نجح فيدان فى تجنيد وتشغيل أعداد كبيرة من العملاء لحساب تركيا خلال فترة ادارته لتلك الوكالة.
وتشابكا مع عمل الوكالة السابقة، استخدت الاستخبارات التركية كذلك ما يعرف بالمبادرة الرئاسية التركية لرعاية اتراك المهجر (YTB diaspora agency) وهى الوكالة التى يتبعها ما يعرف بمعهد يونس عميرى الثقافى للمغتربين الأتراك ( the Yunus Emre Institute ) وتتبعها كذلك مؤسسة المعارف التركية Maarif Foundation وهى المؤسسة المسئولة عن نشر الأفكار الأردوجانية وإحياء ما يسمى بدولة الخلافة تحت غطاء أفكار التكامل الإسلامى.
وبحسب التقرير الاوروبى، يتواجد على الأراضى الأوروبية مالا يقل عن خمسة ملايين تركى ما بين دارس وعامل أو مقيم بصفة دائمة او موظف دولى، وتشكل تلك الكتلة البشرية الكبيرة مجالا حيويا لعمل الاستخبارات التركية لتنفيذ عمليات تجنيد وتجسس سواء باستخدام عملاء من أتراك المهجر او للتجسس على أتراك المهجر فى عموم البلدان الأوروبية.
ولما كان الشباب التركى الدارس فى دول الاتحاد الاوروبى يشكل قطاعًا كبيرصا من الأتراك المقيمين فى أوروبا، كان من الطبيعى أن تقوم الاستخبارات التركية بتفعيل ذراع سرية للتواصل معهم واختراق صفوفهم إما لتجنيد عملاء منهم أو لمراقبة تحركاتهم وكشف أى توجهات معارضة من جانبهم تجاه النظام التركى.
وتعد هيئة رعاية الطلبة الأتراك فى الخارج Uluslararası Öğrenci ve Öğrenci Aktivitelerini Destekleme Derneği، or Wonder) هى الذراع الأكثر أهمية لدى الاستخبارات التركية العامة للقيام بتلك المهمة وهى الهيئة التى لاحظت الاستخبارات النمساوية نشاطًا غير عادى لها فى الفترة الأخيرة بين شباب الأتراك الدارسين فى النمسا.
وتعد مدارس ووندر "Wonder " فى النمسا إحدى المؤسسات التعليمية ذات الصلة بتركيا اذ تتبع مؤسسة " Turkey’s Önder Foundation " التى تعد أكبر مؤسسات التعليم ما قبل الجامعى فى تركيا وتتبعها كذلك مدارس "الامام حاطب الإسلامية" للتعليم ما قبل الجامعى.
يذكر أن بلال النجل الأكبر للرئيس التركى رجب طيب أردوجان وشقيقته سمية قد أتما تعليمهما الثانوى فى مدارس "ووندر" التى عادة ما يكون لخريجيها حاليًا أسبقية التعيين فى وظائف الدولة التركية.
وفى 11 مارس 2013 زار الرئيس التركى رجب طيب اردوجان إحدى مدارس ووندر خلال زيارته لجمهورية النمسا وألقى هناك خطابًا حماسيًا بحضور يوسف قرة مدير تلك المدارس، ويعمل فى الاستخبارات التركية حاليًا مزيج من ذوى التوجهات الإسلامية وآخرون من ذوى التوجهات القومية لكن القاسم المشترك فيما بينهم هو كونهم من خريجى مدارس "ووندر" للتعليم ما قبل الجامعى.
و على سبيل المثال كان فاتح يزيد يجيت Fatih Yavuz Yiğit وهو من أبناء تلك المدرسة هو المسئول الأول عن الرابطة الوطنية لأتراك المهجر diaspora agency YTB والآن يتولى هذا الرجل مسئولية إحدى الإدارات المهمة فى الاستخبارات التركية المسئولة عن العمليات الخارجية، واللافت أيضًا أنه من خريجى مدرسة "ووندر" فى النمسا.
ويعد جورسيل دوميز البالغ من العمر 65 عامًا هو المسئول الأول عن أنشطة التعبئة الجماهيرية وحشد التأييد للرئيس التركى أردوجان فى جمهورية النمسا التى قضى بها دوميز 22 عامًا من حياته أسس خلالها ما يسمى باتحاد الديمقراطيين الدوليين Union of International Democrats )UID، formerly UETD) كمنظمة لأنصار الديمقراطية "تدعم أردوجان" وفى العام 2009 تمت تعيين دوميز كنائب أول لرئيس الرابطة الوطنية لأتراك المهجر وحتى العام 2015 استطاعت الاستخبارات التركية من خلاله ومن خلال تلك الرابطه فتح قنوات تجنيد واتصال مع أتراك المهجر الأوروبى وبفضل دوميز تحول الاتحاد الوطنى لأتراك المهجر إلى ما يشبه وكالة استخبارات موازية للاستخبارات التركية، ولجهوده يقول المراقبون ان جورسيل دوميز هو المرشح الأوفر حظًا لحلافة حقان فيدان رئيس الاستخبارات التركية الحالى حال ترك منصبه.
ويقول خبراء مكافحة التجسس فى أوروبا أن تحليل أوجه إنفاق الرابطة الوطنية لأتراك المهجر ومشروعاتها فى بلدان الاتحاد الأوروبى وبخاصة فى النمسا وفرنسا تشى بوجود أهداف خفية وراء الأنشطة الظاهرة لعمل تلك الوكالة، فتحت لافته "تحسين تعايش الأتراك فى مهاجرهم" تنفذ الوكالة برامج مكثفة لتعليم الثقافات واللغات المحلية للأتراك المتواجدين على الأراضى الأوروبية، لكن الأمر المريب هو قيام الوكالة بتنظيم فعاليات للتواصل بين "عناصر من اتراك المهجر" وقيادات سياسية وتنفيذية فى دول المهجر فى الاتحاد الأوروبى بما يعزز نفاذ العناصر التركية إلى مؤسسات وهيئات بعينها فى البلدان الأوروبية.
وفى يوليو الماضى اتضحت خطورة ما قامت انقره ببنائه منذ سنين عبر وكالة أتراك المهجر فى دول الاتحاد الأوروبى، فقد شن عبدالله ايرين مدير وكالة أتراك المهجر الذى ينحدر من أصول يونانية فى يوليو الماضى حملة عداء ضد اليونان على الأراضى اليونانية، وقام بحشد 2500 من أنصاره من الدراسين الأتراك المقيمين فى اليونان لتنظيم فعاليات مؤيدة للرئيس التركى فى صراعه مع اليونان حول ترسيم الحدود البحرية فى شرق المتوسط.
ونظرا لاهمية الدور الذى تلعبه رابطة اتراك المهجر تلقى هذه الوكالة دعما خاصا من الرئاسة التركية تمثل فى رفع موازنتها من 321 مليون ليرة تركية فى العام 2019 إلى 385 مليون ليرة فى موازنة العام الجارى 2020 بزيادة نسبتها 12 فى المائة، كما قررت الرئاسة التركية زيادة موازنة الوكالة للعام القادم 2021 الى 462 مليون ليرة تركية.
ومن بين مسئولى وكالة أتراك المهجر يوجد "محمد كيليك" الذى تم إلحاقه قبل عدة أعوام بجهاز الاستخبارات العامة التركية كمساعد لرئيس الاستخبارات حقان فيدان، وتولى محمد كيليك مسئولية تطهيز الجهاز الحكومى التركى من العناصر التى يشتم منها عدم الولاء الكامل والمطلق للرئيس التركى أردوجان فقام بفصل قرابة 150 ألفًا من موظفى الإدارات الحكومية فى تركيا فصلًا نهائيًا وزج بعشرات الآلاف منهم فى غياهب السجون بعد المحاولة الانقلابية الأخيرة المزعومه فى تركيا، وأحلت محلهم عناصر كاملة الولاء للرئيس التركى وهوما جعل هذا الرجل اسمًا كريهًا فى تركيا.
الجدير بالذكر أنه فى صيف العام 2014 تم إيفاد محمد كيليك إلى أوكرانيا كعضو فى فريق المراقبين التابع لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبى، وهناك تم اعتقاله بعدما ضبطه رجال جهاز أمن الدولة الأوكرانى مجتمعًا بصورة سرية مع بعض قيادات الحراك الانفصالى فى لجنوب أوكرانيا خارجًا بذلك عن الحيدة التى تقتضيها مهام وطبيعة عمله كمراقب هناك.
كذلك يعد محمد خوزى الذى تولى رئاسة رابطة اتراك المهجر فى الفترة من 2016 وحتى 2018 احد عناصر الاستخبارات التركية البارزين فى تعزيز انشطة الرابطة وزيادة عدد الأذرع "غير الحكومية" التابعة لها فى مختلف بلدان الاتحاد الأوروبى بما جعلها موردًا جيدًا ومتجددًا يسهل على الاستخبارات التركية مهمة انتقاء وتجنيد العملاء، كما استطاع محمد خوزى فتح قنوات اتصال بين أتراك المهاجر الأوروبية وجماعات الضغط والمعارضة السياسية فى بلدان مهاجرهم بقصد ابتزاز المواقف السياسية لحكومات تلك الدول متى تعارضت مع الأطماع التركية، اللافت فى التقرير هو اتهامه للخطوط الجوية التركية بتمويل المؤسسات التى يتم توجيه أرباحها المالية لتمويل أنشطة وكالة أتراك المهجر فى دول الاتحاد الأوروبى.