ناصر والتنمية المستقلة
فى اليوم الثامن والعشرين من سبتمر ٢٠٢٠ مرت الذكرى الخمسون على رحيل الزعيم جمال عبدالناصر، وفى هذا اليوم أقامت اللجنة القومية لمئوية جمال عبدالناصر بالاشتراك مع وزارة الثقافة عدة ندوات فى المجلس الأعلى للثقافة، تناولت عدة محاور مهمة، منها العروبة والمشروع الوحدوى، ومصر والنظام الدولى بعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٣، والتنمية المستقلة والاقتصاد الوطنى، واختتمت الندوات بندوة حول قوة مصر الناعمة فى الثقافة والفنون والإعلام.
ووسط حضور مصرى وعربى، مع مراعاة إجراءات الوقاية من فيروس «كوفيد- ١٩» المستجد تم عقد الندوة التى سأتحدث عنها، وهى «التنمية المستقلة والاقتصاد الوطنى» التى أدارها الدكتور مجدى زعبل، المنسق العام للجنة القومية للمئوية، وتحدث فيها عدد من المفكرين والخبراء الاقتصاديين، منهم الدكتور محمد عبدالشفيع عيسى الخبير الاقتصادى بمعهد التخطيط، والدكتور شريف قاسم أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات، والمهندس صبرى عشماوى رئيس جمعية بناة السد العالى، والأستاذ شريف جاد مدير النشاط الثقافى بالمركز الثقافى الروسى بالقاهرة.
وقبل الحديث عن أهم ما جاء فى الندوة، تنبغى الإشارة إلى أنه بعد تفشى فيروس كورونا واضطرار الدول والحكومات لمواجهته صحيًا، وأيضًا مواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والأزمات الناتجة عن الإجراءات والخطوات التى اتخذتها لمنع تفشى الفيروس، منها «الإغلاق التام أو الجزئى لأماكن التجمعات فى المدارس والجامعات والنوادى والمؤسسات والمصانع، بجانب توقف النشاط السياحى والطيران والنقل بين الدول وبعضها»، تبين مع كل هذه الإجراءات أهمية الاعتماد على الذات، بمعنى الاعتماد على الاقتصاد الإنتاجى، الزراعى والصناعى، من أجل الاكتفاء الذاتى أولًا وثانيًا وثالثًا، ثم الإنتاج من أجل التصدير، وذلك من أجل توفير الأمن الغذائى والدوائى للشعوب، كما اتضحت أهمية الاهتمام بخدمات التعليم والبحث العلمى والصحة، وأيضًا مع ثورة الاتصالات والمعلومات لا بد من الاهتمام بإنشاء بنية تحتية خاصة بشبكة الاتصالات الإلكترونية، نظرًا للاعتماد عليها فى التعليم والعمل والتسوق وعقد المؤتمرات فى الداخل والخارج، من خلال برامج إلكترونية تتيح كل ذلك عن بُعد للحفاظ على التباعد الاجتماعى.
إن الدول التى اعتمدت على اقتصاد إنتاجى وعلى منظومة خدمات صحية متكاملة استطاعت أن تتجنب الآثار الناجمة عن جائحة كورونا بشكل كبير.
من هنا جاءت أهمية ندوة التنمية المستقلة، والتى ركز السادة المتحدثون من خلالها على عدة محاور ونقاط مهمة سأوجزها فى السطور التالية:
أكد السادة خبراء وأساتذة الاقتصاد أن جوهر الاستقلال الوطنى هو التنمية المستقلة، وأن السد العالى هو أكبر مشروع تنموى فى القرن العشرين، وأنه رمز للتنمية المستقلة، سواء زراعيًا أو صناعيًا، فلقد حمى مصر من الفيضانات التى تنتج من غزارة الأمطار، كما ساعد على زيادة الرقعة الزراعية وتحويل نظام الرى من رى الحياض إلى الرى الدائم، مما أسهم فى توليد الكهرباء لإنارة مصر وقراها وتشغيل مئات المصانع الإنتاجية التى أسهمت فى تصنيع بلادنا، كالحديد والصلب والمصانع الحربية والنصر للسيارات والأسمنت بحلوان ومجمع الألومنيوم الصناعى بنجع حمادى والغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وشبرا الخيمة. وأشار المتحدثون إلى أن من يملك قوت يومه يملك غده ويملك الإرادة الحرة المستقلة فى قراراته دون الاضطرار للتبعية للدول الكبرى الرأسمالية المتوحشة، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وأن التنمية المستقلة تعنى الاعتماد على الذات، وتكون من نتائجها زيادة الدخل القومى والمدخرات والتقليل من الاعتماد على الاستيراد بإنتاج سلع تحل محل الواردات من السلع الاستهلاكية والوسيطة والثقيلة، وتعتمد التنمية المستقلة على خطط زمنية قصيرة الأمد وخطط استراتيجية طويلة الأمد تحقق التوازن بين الاستثمار والادخار والاستهلاك.
كما أكد المتحدثون أن التنمية الكاملة هى التنمية فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فلا تنمية إنتاجية دون تنمية الموارد البشرية، واسمحوا لى أن أتوقف عند هذه النقطة المهمة، وهى تنمية الموارد البشرية، وأزيدها تفصيلًا من وجهة نظرى، حيث إن العالم بات يعانى من السياسات النيوليبرالية التى أدت إلى اتساع وزيادة الفجوة الطبقية، مما أدى إلى مزيد من الإفقار وزيادة أعداد الفقراء والمهمشين فى العالم مع تردى الخدمات، لذا حين نتحدث عن أن التنمية الكاملة هى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا بد أن نركز على تنمية الموارد البشرية من حيث التعليم والتدريب والتأهيل، مع تحقيق حياة معيشية كريمة بتوفير فرص عمل وأجور تساعد على الصرف على أعباء المعيشة الضرورية، هذا بجانب تمتع الفئات المختلفة بالضمانات الاجتماعية من المعاشات والتأمين الصحى وتوفير الدولة المرافق وبجودة عالية فى المياه والكهرباء والصرف الصحى والسكن الصحى ووسائل النقل والمواصلات والاتصالات.
لقد أكد المتحدثون أنه لتحقيق التنمية المستقلة والاستقلال الوطنى لا بد من توافر إرادة سياسية قوية لبناء مشروع تنموى، مع الاهتمام بالدور الاجتماعى للدولة وتوظيف رأس المال الوطنى للتنمية، مع التعاون الساعى إلى التكافؤ مع العالم الخارجى، وأن الأمن القومى يعنى اقتصادًا مستقلًا.