من التبني إلى الاغتيال.. محطات الإخوان في حياة نجيب محفوظ
"فكر اتسم بالميل إلى التعميم والحرص على الغموض والابتعاد عن الوضوح والتحديد، فهم سياسيون يرفعون الشعارات الدينية، ودينيون يعملون في السياسة"، هكذا رأي الأديب نجيب محفوظ جماعة الإخوان التي عايشها منذ تأسيسها على يد حسن البنا وحتى احتلال مقاعد الأغلبية في برلمان ٢٠٠٥.
علاقة صاحب نوبل بالجماعة الإرهابية وتأثره بما فعلوه في الشارع المصري جسدها في كثير من رواياته، وحللها بكتبه فيما بعد.
"الدستور" تجيب من خلال كبار الكتاب عن: كيف كانت علاقة نجيب محفوظ بالإخوان؟
في كتاب "أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة" للكاتب الصحفى محمد شعير، تناول فى فصوله العلاقة بين مفكر جماعة الإخوان الإرهابية سيد قطب، وأديب نوبل.
وشرح الكتاب العلاقة بينهما خاصة أن الإخوانى اتجه إلى الأدب فى فترة من حياته، وأصدر رواية "الأشواك"، وكان مهتمًّا بالنقد.
وعرض الكتاب تفاصيل اللقاء الأخير بين "محفوظ" و"قطب"، وتحديدًا قبل عام واحد من إعدام منظر جماعة الإخوان.
ووصف "نجيب" انطباعاته عن لقائه الأخير مع سيد قطب، كما نقلها "شعير" في كتابه بأنه "فقد قدرته على الابتسام، عندما مضى فى طريق آخر يكفر فيه المجتمع".
وزار نجيب محفوظ سيد قطب فى بيته بحلوان بعد خروجه من السجن، وقبل عام من إعدامه، وقال نجيب: "فى تلك الزيارة تحدثنا فى الأدب ومشاكله، ثم تطرق الحديث إلى الدين والمرأة والحياة، وكانت المرة الأولى التى ألمس فيها بعمق مدى التغيير الكبير الذى طرأ على شخصية سيد قطب وأفكاره.. لقد رأيت أمامى إنسانًا آخر.. حاد التفكير.. متطرف الرأى.. يرى أن المجتمع عاد إلى الجاهلية الأولى وأنه مجتمع كافر لا بد من تقويمه بتطبيق شرع الله، انطلاقًا من فكرة الحاكمية لا حكم إلا الله، فماذا يفيد الجدل مع رجل وصل إلى تلك المرحلة من الاعتقاد المتعصب؟
واستطرد "نجيب" كما جاء في كتاب" أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة": "فى تلك الزيارة كان مع سيد قطب مجموعة من أصحاب الذقون، لم يكن قطب يشبه صديقى الذى عرفته فيه، وأردت أن أكسر حدة الصمت الثقيل، فقلت دعابة عابرة، وافترضت أن أساريرهم ستنفرج وسيضحكون، ولكنهم نظروا إلىّ شذرًا ولم يضحك أحد، حتى سيد قطب نفسه، وعندما غادرت البيت صامتًا، وشعرت بمدى التحول الذى طرأ عليه".
كيف تنبأ محفوظ بوصول الإخوان إلى الحكم
لم يمض سوى ٦ سنوات على وفاة الأديب العالمي نجيب محفوظ حتى وصل الإخوان إلى حكم مصر، وهو ما أكد تنبؤات نجيب، فقبل موته بوقت قصير قال في جلسة أصدقاء تناقلتها الصحف إن مصر تريد أن تجرب حكم الإخوان.
ووصل نجيب إلى هذا التنبؤ نتيجة تحليلاته للإخوان وشخصيات قادة الجماعة، والتي حللها الكاتب مصطفي بيومي في كتاب بعنوان "نجيب محفوظ والإخوان المسلمون"، والذي ركز على توضيح كيف رسم محفوظ هذه الشخصيات بقلمه، وأهم ملامحها الفكرية والإنسانية.
وحاول الكاتب أن يبلور الخطاب الإخواني في أدب محفوظ، فقال: «يتسم الفكر السياسي للإخوان بالميل إلى التعميم والحرص على الغموض والابتعاد عن الوضوح والتحديد، فهم سياسيون يرفعون الشعارات الدينية، ودينيون يعملون في السياسة، وفي هذا السياق، يتجلى تمسكهم الدائم بتجنب طرح برنامج تفصيلي ذي نقاط واضحة، ويتشبثون دائمًا بخصوصية غير منطقية وعاجزة عن الإقناع: الحديث السياسي المترفع كأنهم من رجال الدين، والخطاب الديني المختلف كأنهم يحتكرون الإسلام».
من التبني إلى الاغتيال
كان سيد قطب مهتمًّا بعالم الأدب والنقد الأدبي، وقد لفت الأنظار إلى موهبة نجيب محفوظ وقدمه للقراء في بداياته.
وظل محفوظ يعتبر قطب، حتى اليوم الأخير من عمره كما قال، صديقًا وناقدًا أدبيًّا كان له فضل السبق فى الكتابة عنه، ولتأثر محفوظ بشخصية سيد قطب وضعه ضمن الشخصيات المحورية التى تدور حولها رواية "المرايا" مع إجراء بعض التعديلات البسيطة.
ولكن مع التغييرات التي حدثت في شخصية قطب اختلت العلاقة بينه وبين محفوظ، حتى إن تلميذًا لقطب حاول اغتيال نجيب محفوظ.
روايات نجيب التي جسدت الإخوان
في كتاب "نجيب محفوظ والإخوان المسلمون" بدأ الكاتب "مصطفى بيومي" رحلة بحثه في العديد من روايات محفوظ، مستخلصًا كل الشخصيات التي تعبر عن فكر الإخوان، محللًا أفعالها ومواقفها، وكيف عبرت عن نفسها من خلال السياق التاريخي والاجتماعي في مصر.
واعتمد في دراسته على عدة روايات، هي: القاهرة الجديدة وشخصية "مأمون رضوان"، السكرية وشخصيات عبدالمنعم شوكت، فؤاد الحمزاوي، محمد حامد برهان، والشيخ علي المنوفي، إضافة إلى سليم حسن قابيل، ميرامار، تحت المظلة، المرايا وشخصية "عبدالوهاب إسماعيل"، الجريمة، الكرنك، قلب الليل، الحب فوق هضبة الهرم، الباقي من الزمن ساعة، أمام العرش، التنظيم السري، يوم قتل الزعيم، حديث الصباح والمساء، صباح الورد وقشتمر وشخصية صادق صفوان، وغيرها العديد من الشخصيات في عالم محفوظ الأدبي.