هذه كلمتي.. واحتكم لعقلك
الفوضى نقيض الحضارة، كما أن الهدم عكس البناء، فعندما تسود الفوضى يضمحل المجتمع وتتداعى الدولة، وتُقوض أركانها، وتعود عندئذ سنوات طويلة إلى الخلف.. ساعتها ينعدم الأمن ويغيب الأمان، ويتوارى البناء، وتتوقف عجلة الزمن، فيضعف المجتمع ويهون في عين الكلاب التي تتكالب عليه، كما تتكالب الأكلة على قصعتها.. وانظرو إلى ما حدث بمصر أعقاب يناير 2011.. ضاعت الدولة وسادت البلطجة، وضاعت أرزاق الناس، وأصبح الجميع مُهدد في حياته، غير آمن على نفسه وأولاده.. مع أن الذين نادوا بالتظاهر وقتها، قالوا بأنه طريق إلى العيش والحرية والكرامة الإنسانية.. فهل صدقوا فيما تنادوا به؟
من المهم، ونحن نفكر في خطوة جديدة، أن نقرأ ما خرجنا به فيما حدث قبلاً من أحداث مشابهة.. وإلا نكون كمن يذهب في نفس الطريق وبذات الوسيلة وينتظر أن تكون هناك نتائج مُغايرة.. فبعد سنوات من الهوان والضلال، وضيق العيش وسيادة الظلم، واستغلال أصحاب دعاوى الإفك والضلال لغضب الناس ومحاولتهم تفجير بركانهم، ليس لمصلحة الوطن ولا المواطن، بل ليكون هؤلاء العامة من الناس وقوداً لنيران تطيح بنظام أهمل في كل شيئ، وسيطرت نُخبة من أتباعه على كل مفاصل الحياة، حتى يتسنى لفئة أخرى متربصة بهذا الوطن أن تنقض عليه، إذا ما نجح الغضب الشعبي وانفجر بركانه في وجه النظام.. وما أن تمخضت أحداث يناير عن سقوط نظام مبارك وحزبه الوطني، حتى انقضت جماعة إخوان الشر على الدولة المصرية، محاولة الاستئثار بها، دون غيرها، ممن ضحوا بأرواحهم في الميادين، ولا بمن سقطو جرحى ومصابين بعاهات استمرت معهم.. هؤلاء الذين لم تعبأ بهم جماعة إخوان الشر، ولم تلتفت إليهم بعدما تحقق لهم ما أردوا واعتلوا كرسي الحكم في مصر.. فجلسوا عليه دون غيرهم، وقالوا حينها (مصر الآن لنا وحدنا)!.
عام واحد، هو زمن حكم مرسي وعصابته، أدرك فيه المواطن أن الإخوان سرقوا بلاده منه، بأكاذيبهم وخداعهم، واكتشف أن أبواق الجماعة وتابعيها حرضوه على ما كان فيه هلاكه وخراب دياره، إلى أن قيض الله لهذا البلد رجلاً، استطاع أن ينقذها من براثن ما أرادوه له، من هلاك وشر، وما هدفوا إليه من تبعية أرض الكنانة ـ أعزها الله ـ لأقطاب الخراب في المنطقة، قطر وتركيا، وغيرهما من الدول التي تحتضن التنظيم الدولي للإخوان.
ستر من الله، أرخى سدوله على الأمة المصرية، الطيبة الصابرة، المثابرة المُحتسبة، فكان كفيلاً بأن تسترد نفسها ممن أرادوا اغتصابها.. فهل نشكر الله، ونبتهل إليه بأن لا يُجري علينا أياماً مثل التي كانت عليه أيام الإخوان، ونكون المؤمن الذي لا يُلدغ من جحر مرتين؟.. أم نطمس عقولنا بغباء، يدفع بنا وراء من يريدون محاولة هدم مصر من جديد، وجعلها تكراراً لما أصبحت عليه سوريا والعراق وليبيا واليمن؟.
تعالوا نفكر بهدوء..
هل نستطيع الوثوق بمن خدعونا مرات من قبل، وبمن باعوا بلدهم وسافروا إلى تركيا وقطر، يتجنسون بجنسيتها، ويتبنون أفكار قادتها، لهدم مصر، من خلال منابر قاموا على إنشائها في الدوحة واسطنبول، ليس لها من هم، إلا التشكيك في قيادة مصر، وفي كل سلوك ترتأيه في صالح البلاد والعباد؟.. أمعن النظر وتساءل عن سر ملايين الدولارات التي تدفعها قطر وتركيا لأبواق ناعقة ضد مصر، ممن يُفترضوا أنهم من بين أبنائها.. وما هؤلاء إلا أناس باعوا أنفسهم للشيطان، وباعوا بلادهم بالريال والدولار.. اشتروا متاعاً من الدنيا قليل، بما هم مُحاسبون به، أمام الله في الآخرة، وأمام بني أوطانهم في الدنيا.. وإلا فلتقل لي: ماذا يريد معتز مطر ومحمد ناصر وزوبع زغيره، ممن غيروا جلودهم؟.. هل يريدون صلاح مصر ونهضة شعبها؟.. الإجابة بالتأكيد لا.. لأن من يريد الإصلاح، لابد أن يكون على أرض بلده، يدعو إلى الصالح بالحكمة والموعظة الحسنة، ويُجادل بالتي هي أحسن.. لكن الذي يحتلق الأباطيل ويتربص بكل شيئ، الذي يهيل التراب على كل إنجاز، ويُحقر من كل خطوة تخطوها مصر، ويقلل من شأنها، رغم عظمها في أعين المُنصفين، لا يمكن اعتبار مثل هذا مخلوق سوي، له وطن ويخاف عليه.. إنما هي مهنة امتهنها، السب والقدح في بلده، جلباً للدولار، الذي لا يمكن أن يأتيه، إلا كلما أجاد في التطاول على مصر والنيل من إنجازاتها، وكلما أطلق للسانه السفيه، العنان للسب في قياداتها، بل والخوض في أعراض بعضهم.
إن كل طوبة تُعلى من بناء مصر الحديثة، تنزل على رؤوسهم وبالاً وخيبة أمل، وهم الذين أرادوا لها أن تكون ركاماً تذروه الرياح، كما ذرت غيرها من البلدان في المنطقة.. إن كل قوة تُضاف إلى قوة مصر، ترتعد لها فرائصهم، وتُرسل لهم برسالة، إن مصر كانت وستظل عصية على من حاولوا استباحتها، وتمنوا أن تكون لهم الجائزة الكبرى، في صراع الخريف العربي، الذي حل على الوطن بالخراب والدمار.. ولكنهم مازالوا يحاولون، وبكل السبل.. مستغلين، في كثير من الأوقات أصحاب النفوس الضعيفة وطالبي الشهرة بأي ثمن.. من منكم سمع عن محمد علي في مصر.. هذا الذي فشل، وبشهادته على نفسه، أن يكون مقاولاً، كبرت أعماله في مصر، التي أغنته من فضلها، بعد فضل الله.. حاول أن يكون ممثلاً فلم يعرفه الناس أيضاً، فقرر أن يسير على طريقة (خالف تُعرف)، ولم يجد طريقة أسرع لشهرته، إلا محاولة النيل من أشرف مؤسسة في مصر، الجيش العظيم، الذي قيده الله أن يكون سبباً في النعم التي عاش فيها مثل محمد علي.. ولم يجد مسئولو هذا الجيش من هذا الدعي، إلا جزاء سنمار.
الذي هرب بمئات الملايين من العملات الصعبة إلى خارج البلاد، غير عابئ بما للدولة من حقوق عنده، لا يمكن الوثوق في أنه مُحب لهذا البلد ويريد له الخير.. الذي يعيش في أسبانيا، وسط شقق فاخرة وسيارات فارهة، ليس له أن يشعر بما يشعر به المواطن المصري، فيتحدث باسمه.. هذا اللص الهارب لم يدرك أن الشعب المصري استجاب لنداء رئيسه بضرورة بناء البلد على أسس علمية سليمة، ينعم فيها كل مواطن بحقوقه، ويسترد فيها الوطن ما له من سارقيه.. وبالقانون.. وتحمل معه عناء المرحلة التي مضت.. فلما لاحت بشائر الخير تهل على هذا الشعب، ويبدأ جني ثمار صبره، وأبانت مصر عن نفسها، بلداً عفياً قوياً، مُهاب الجانب، يحترمه العالم، من أدناه إلى أقصاه.. خاب ظن كل كذاب، في أنه يمكن لهذا البلد أن يتهاوى من جديد، لأنها وطن قامت مسيرته على الشفافية والوضوح، ومحاربة الفساد والمُفسدين، أياً من كانوا.. وهذا لم يعجب البعض، بل واعتبره ضد مصالحه الذاتية.. فراح يضرب بيديه في الهواء، لعله يصيب، فخاب مسعاه، وانكسرت يداه.
هل يمكن لإنسان يحترم نفسه ويعرف قدره، بل ويعتز بمصريته، ويخاف على بلده، أن يجري وراء تروهات وأحقاد أفراد وجماعات، بل ودول، لا تريد لهذا البلد استقراراً، وتتمنى له أن لا يرى ثمار ما يدور على أرضه من تنمية، سابقت الزمن، وطاولت إنجازاتها عنان السماء.. هل يمكن لأي من هؤلاء أن يترك مصر تنعم بما تدفق عل أرضها من خيرات في شرق المتوسط وغيره، تحميها قوات مسلحة قوية، تدرعت بكل وسائل العلم والتكنولوجيا، والأسلحة الحديثة، تلك التي أرهبت عدو الله وعدونا، ومنعت بها أي عدوان علينا، وعلى أمننا القومي في محيطنا العربي؟.
نقدر الغضب الذي يمكن أن ينتاب البعض من قرارات، يتم التعامل معها، بما يحقق مراعاة البعد الاجتماعي للفئات المختلفة، لكنا لا نقدر أن يدفع الغضب بعض البسطاء، فيكونوا كالدبة التي قتلت صاحبها، وما هم بقادرين، لأن مصر محفوظة بأمر الله، ثم بشعبها وجيشها، وحكمة قيادتها، التي أثق أنها لا تبتغي شيئاً من عرض الدنيا إلا أن ترى مصر حيث يليق بها أن تكون، وشعب كريم غير مُهان.. يعمل له العالم ألف حساب.. وعندما يرسم للغير خطاً أحمراً، لا يستطيع تجاوزه.. ألا يكفي ذلك عزة لمصر وشعبها؟.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.