الرئيس اللبناني ماكرون
مشهد الرئيس ماكرون في شوارع بيروت متجولاً و مصافحاً لفئة من مواطنيه من أعجب و أغرب المشاهد التي وقعت عليها عيناي .. مشهد مدهش لم أكن أتوقع حدوثه بل إن الخيال الجامح لا يمكنه تصور حدوث مشهد مثل هذا .. فهو حدث غريب لم نعهده من قبل في بلادنا او حتى في بلاد الغرب الأوروبي
فزيارات الرؤساء للدول في اطار الصداقة و التعاون المشترك في مجالات شتى و على أصعدة دبلوماسية او تجارية أمر طبيعي
لا يثير الدهشة .. حتى زيارة الرئيس عبدالناصر التاريخية و الاستثنائية لسوريا كانت في اطار وحدة مشتركة بين بلدين و تبادل للمصالح و توأمة كان يأمل منها الطرفين خير وفير
فالوحدة و التعاون المشترك يتم بين ندين و يكون الاتفاق عادةً بين بلدين يتبادلا معاً المصالح و التعاون المشترك .. أما أن يملي طرفاً مطالبه على طرف آخر تكون هنا العلاقة فوقية و ضارة و غير صحية بل و مريبة و سنرى و نحصد نتائجها حتماً على المدى البعيد
حتى و ان جملت تلك الزيارة العجيبة و تذرعت بتفويض او توكيل من بعض المواطنين و مطالبتهم له بالتدخل ! وبالتالي شرعن هؤلاء لتلك الزيارة و تذرع بها ماكرون ليسير في شوارع بيروت بعد الانفجار و كأنه ملك متوج او قائد منتصر جاء ليحمي كنوز لبنان و رعاياها ! بل و كأن هؤلاء الرعايا ليسوا مواطنين إنما رعايا يعيشون في بلد ليست لهم !
و الموجع في الأمر حقاً أمر هؤلاء المواطنين ! فأن يشعر مواطن انه في حاجة للتدخل الاجنبي في شئونه و شئون بلاده و يطلب من رئيس دولة اخرى ان يأتي اليه ليكون المخلص ! و كأنه لا رئيس لتلك البلاد بل و لا شرعية و لا قانون و لا مواطنة !
اعرف ان لبنان شأنه مختلف و شديد التعقيد و ان اتفاقية الطائف قسمته بطائفية و عنصرية مقيتة قضت على مفهوم الوطن و المواطنة و سددت طعنة لقلب ذلك الوطن الجميل الثري بأرضه و ناسه
لكن ان يصبح الولاء عند بعض مواطنيه لبلد غير بلده و يتم اللجوء لرئيس بلد آخر ! فذلك يعني ان المواطن لاجىء في بلاده و انه من رعايا ذلك الزائر و ليس مواطناً يعيش في وطن حقيقي و ان بلاده لم تعد حقاً دولة بالمفهوم العمودي لفكرة الدولة ذات الشرعية و السيادة
لبنان تنهش و تتلاعب بها أذرع عديدة لدول و كيانات عدة على شكل أحزاب و ميليشيات غالبيتها مسلحة تزاحم الجيش الوطني و تتفوق عليه في سلاحه و عدده !
السلاح العشوائي غير المقنن يتفوق و يجور على السلاح المقنن الشرعي بل و يجور على شئون البلاد و مواطنيها و يفقدها مفهوم الدولة و مفهوم الشرعية و بدون كل ما سبق تستباح الارض و يستباح مواطنيها
ويكون استدعاء رئيس دولة لإملاء شروطه و مطالبه ضارباً عرض الحائط بسيادة تلك الدولة و مؤسساتها و التي تورات بعد ان تصدرت الاحزاب المشهد
و صارت تحكم لبنان من فرنسا و من ايران و من السعودية و تتربص بها اسرائيل كعدو تاريخي يناور و يراوغ و ينهكها البنك الدولي بقروضه و ديونه و فوائدها و يستشري الفساد في كل ركن من اركانها فتفلس البلاد و ينهار اقتصادها ثم يفجرها الاهمال و الفساد و تتدخل الاذرع فيها دوماً لمآرب بغية تفكيكها و تشرذمها فتميل كل طائفة لزعيمها و يتحكم الفاسدون و أمراء الطوائف و يتجرأ زعماء الدول للتدخل في الشأن الداخلي اللبناني و يندفع الموقف للمزيد من التعقيد و التشظي و تتوالى الانفجارات تلو الانفجارات فالانفجار الاخير لم يكن الاول و لا اظن انه سيكون الاخير للاسف
الا لو توحدت القوى الوطنية و الثورية و طالبت بدستور وطني علماني ينقذ البلاد التي مزقتها الطائفية و يسقط اتفاقية الطائف و ينهي الانتداب الفرنسي للبنان و ينهي اي تبعية للبنان و يتوقف الجميع عن التدخل في شئون البلاد و ينزع السلاح العشوائي و تنضم كل الفصائل المسلحة للجيش اللبناني الوطني و تسلم جميع الميليشيات المسلحة سلاحها و تنضم للجيش بما فيها سلاح حزب الله الذي لا يجب ان يبقى سلاح لحزب الله و لو ليوم واحد بل سلاح يضاف لجيش لبنان الذي سيحمي شرعية لبنان كدولة و مؤسسات و يحمي مواطنيها و يحمي دولة المواطنة و يجرم الانقسام و الطائفية بحكم القانون .