حضارة تحتضر
لم يسجل لنا التاريخ، أى أعراض لانهيار الحضارة الرومانية، ولا الحضارة الفارسية. اللتين انهارتا بسهولة تامة، تحت سنابك خيول المسلمين. لقد انهارت الحضارتان، وذابتا تماما، ولم يظهر لهما أثر. وتسيدت الحضارة العربية لقرون طويلة. فبدأت بالعصر الإسلامى الأول للخلفاء الراشدين، ثم الخلافة الأموية، وجاءت بعدها العباسية.
لم تكن حضارات تضارع الإسلامية فى ذلك الوقت سوى حضارة واحدة هى الصينية، ولكن الصينية كانت وقتها حضارة منكفئة على نفسها، ليس لها تطلعات خارجية. كانت الحضارة الإسلامية فى أوج قوتها، وتمتلك أعظم قوة عسكرية على وجه الأرض، وكان الجيش العربى، وكانت تمتلك أسطولاً يغزو أوروبا وأفريقيا والهند، وكانت تمارس التجارة فى أنواع متنوعة من السلع الضرورية، عبر شبكة طرق طويلة ومترامية الأطراف فى آسيا وأوروبا وأفريقيا. وسرعان ما دب فيها الانحلال فى تلك الحضارة العربية، وكانت أول علامات الانحلال هى توقف حركة الترجمة الكبرى، والتى كانت قد أطلعت العرب على الكثير من الكتب اليونانية والفارسية والسريانية.
ثم بدأت الحضارة العربية فى الانحسار، وعادت من جديد الإمبراطورية الرومانية تطل من جديد تحت ظل الدولة العثمانية، وبسطت سيطرتها على العرب، وفرضت قانونها العثمانى، ولكنها فشلت فى فرض لغتها، ولم تحدث أى تنمية فى بلد من البلاد التى احتلتها، ولم تشق طريقا واحدا ولا قناة ولا فعلت شيئاً لسكان تلك المستعمرات. كان كل هم حكامها، جلب الضرائب، من شعوب المستعمرات. ثم انهارت الخلافة العثمانية، تحت سيوف الحضارة والتقدم، وتكاتف دول أوروبا.
وبسطت أوروبا سيطرتها على العالم، وورثت المستعمرات العربية، والعرب كأنهم غير موجودين، ولا رأى لهم، لأنهم كانوا بلا قوة وبلا سطوة، وبلا رأى.
وتحولت الحضارة العربية إلى لا شىء، وأصبحت تكل كل شئونها إلى أوروبا، وقد انضمت تركيا التى ورثت التراث العثمانى إلى قائمة الدول التى تقف بجوار الدول الأوروبية. والغريب أنها تحاول أن تصبح دولة أوروبية تتعامل بالقيم الغربية، إلا أن المجتمع الغربى يرفض ذلك. ومع بداية القرن العشرين بدا لنا مدى الهاوية التى تفصل بين العرب والأوروبيين. وقد حاول البعض تفسير السبب الذى من أجله ازدهرت الحضارة الأوروبية، وفى الوقت الذى تراجعت فيه الحضارة العربية.
يرى الأصوليون العرب أن السبب يعزى إلى ابتعادهم عن أصولهم وتراثهم، واكتساب العرب أساليب غربية بابتعادهم عن أسس الدين الإسلامى الأصيل .
والحل فى نظر أولئك الأصوليين هو العودة للأساليب القديمة، واستحضارها، وربما كانت الثورة الإيرانية، هى خير مثال على تلك النظرية الأصولية التى ترى أن التقدم فى العودة إلى الأساليب القديمة. وهو السبيل نفسه الذى سلكته الحركات والنظم الأصولية فى البلاد العربية والإسلامية .
أما دعاة الإصلاح فيرون أن التخلف ليس بسبب التخلى عن الأساليب القديمة، بل بسبب تمسكهم بتلك الأساليب القديمة. والحل فى نظرهم هو الأساليب الغربية والحديثة، وهو ما سلكته الثورة التركية التى تزعمها الزعيم أتاتورك.
■ خبير أمنى