موكب عظيم و30 جارية وجوهرة الخليفة.. كيف احتفل الفاطميون بالسنة الهجرية؟
قال الأثري سامح الزهار، المتخصص في الآثار الإسلامية والقبطية، إن الفاطميين هم أول من احتفلوا ببداية السنة الهجرية، واتخذتها الدولة الفاطمية عيدا رسميا لها، والذي كان يتميز بمظاهر الفخامة والبذخ، في رسالة تعكس الحالة الاقتصادية للدولة في ذلك الوقت وتأكيدا لقوتها، لا سيما أن الجانب الاقتصادي هو خير كاشف عن قوة الدول.
وأشار الزهار- في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الأربعاء- إلى أن الدولة الفاطمية حكمت مصر لمدة طويلة من الزمن (358- 567هـ 969- 1171م) وتعددت أعيادها ومناسباتها، فلم تترك مناسبة دينية أو مذهبية أو شخصية إلا واحتفلت بها، حيث كانت هذه الاحتفالات من الوسائل الدعائية لها، ولإفهام أعدائها أنها قوية وغنية بمواردها فلا يقوى أحد على التصدي لها.
وأوضح أن المصادر التاريخية التي تحدثت عن الدولة الفاطمية في مصر لم تحدد تاريخ بداية الاحتفال برأس السنة الهجرية، ويبدو أنه لم يكن يشمل احتفالا موكبيا في بداية قيام الدولة، وإنما كان احتفالا بسيطا يتقبل فيه الخليفة في مجلسه التهاني بهذه المناسبة، وهو ما أشار إليه المؤرخ المقريزي عندما ذكر أن الخليفة الحاكم بأمر الله (386- 411هـ 996- 1020م) ظهر في أول العام فهنئوه بالعام ثم أصبحت هذه التهنئة تتكرر في بداية كل سنة جديدة.
وعرض الزهار مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية في مصر في عهد الفاطميين، حيث أخذ الاحتفال يتطور من شكله البسيط وصولا إلى الاحتفال بمظاهر من الأبهة، من حيث مد الأسمطة وتوزيع الصدقات وكثرة الإنفاق، وخروج موكب الخليفة يرافقه رجال دولته وطوائف الجند التي تتلألأ بأنواع الأسلحة التي تحملها هذه الطوائف لتظهر جمالية الموكب وحمايته وقوة الدولة الفاطمية.
وقال إن الاستعداد لهذه الاحتفالية كان يبدأ في العشر الأواخر لذي الحجة من كل عام، ثم انقطعت هذه العادة فترة الحرب الأهلية، وكان الخليفة ووزيره يجلسان في صبيحة اليوم الأول من العام الهجري الجديد، ويحضر من جرت العادة بحضورهم للتهنئة وتفرق عليهم الدنانير، ويكتب إلى البلاد والأعمال كتب بالبشائر بالسلامة.
وأضاف أن المؤرخ ابن الطوير ذكر بعض المراسم التي كانت تقام في هذه الاحتفالية والمتعلقة بموكب الخلافة، الذي يعد من أعظم المواكب، وذلك لكثرة الأفراد المشاركين فيه وللجهود المبذولة في الإعداد له، ولكثرة الأموال المنفقة عليه، لافتا إلى أن البعض يرى أن هذه المواكب هي نتيجة تأثر الفاطميين بالحضارة البيزنطية، حيث كان يتم الاستعداد لها وفق إجراءات منظمة.
ولفت إلى أنه كان يتم كذلك في تلك الاحتفالية، تجهيز شارات الخلافة، وسماها المؤرخ القلقشندي بـ (شعار الخلافة) للخليفة ووزيره وهي (الخاتم، والبردة، وثياب الخلافة، وألوان الأعلام) والتي كانت تتميز بالأبهة والبذخ كما وصفها ابن خلدون، وكانت تختلف عن تلك المستخدمة في المواكب الصغيرة.
وعن استعداد الخليفة لاحتفالات رأس السنة الهجرية، قال الزهار إن أول ما كان يتم تحضيره، بعد أداء الخليفة صلاة الظهر، الملابس الخاصة بهذا العيد، ولها خزانة خاصة تسمى (الخزانة الباطنة) ويكون المسئول عليها امرأة تسمى (زين الخزان) ويكون تحت إمرتها ثلاثون جارية، ويرتدي الخليفة في هذا اليوم ملابس مكونة من 11 قطعة مطرزة بالذهب وتسمى بـ (الموكبية) ووصفها المقريزي بأنها مكونة من غطاء الرأس (العمامة) وهي تقليد عربي متوارث، إذ أن العرب في هذا الزمان كانوا يقولون بأن "العمائم تيجان العرب".
وأشار إلى أن الفاطميين بالغوا كثيرا في العمائم، إذ كانت مصنوعة من قماش مطرز، وكانت تشد بهيئة مستطيلة تعرف بشدة الوقار، وقد أطلقوا على هذه العمامة اسم (التاج الشريف) لكونه يعلو رأس الخليفة، وتوضع في مقدمتها جوهرة تسمى (اليتيمة)، ويبلغ وزنها سبعة دراهم.
وتابع بالقول إن تلك الجوهرة استبدلت في عهد الخليفة المستنصر عندما حكم سنة 427 هـ بلؤلؤة كبيرة، وترص حولها جواهر أخرى من الياقوت الأحمر تحيط بها على شكل هلال ويبلغ وزنها 11 مثقالا، ثم تزين العمامة بالزمرد الذبابي بهيئة صفوف متراصة.
وأوضح أن عملية شد العمامة كانت لها طقوس خاصة، تتمثل بخفقان الأعلام والسكون التام، فلا يسمح لأحد بالكلام ولا الاقتراب من الخليفة غير وزيره، ويتولى هذه المهمة موظف خاص تم تعيينه لهذه المهمة فقط، ويسمى (متولي شد التاج) ويبلغ راتبه شهريا مائة دينار.
وأشار إلى أن الخليفة كان يرتدي ثوبا محلى بالرسوم المذهبة له ذيل، وثوب وسطاني من قماش مزركش مطرز بالحرير ربما يلبس على الثوب السابق، وقميص من قماش مزركش مطرز بالحرير وكمين الأول مطرز بالقصب المذهب والثاني مطرز بالحرير وحزام ويضاف حزام آخر يكون عرضيا ومطرز بالذهب يوضع تحت الحزام السابق، وتوضع بيد الخليفة قصبة طولها شبر ونصف، وملس بالذهب المرصع بالدر والجواهر.