«حكايات العدرا».. صور مريم تروى قصص لا نعرف عنها شيئًا
اعتاد المصريون، مسلمين ومسيحيين، عند الدخول إلى أي كنيسة، البحث بشكل تلقائي عن صورة مريم العذراء، فهي المغناطيس الأشد جذيًا في كل الكنائس، يفتتحون بها زيارتهم للكنيسة، وينتهون عندها، يحدثونها ويوقدون الشموع أمامها ويعجبون بصورها ويسمعون سيرتها ويرتجونها لحل بعض الأمور.
إلا أن تلك الصور التي يحدقون بها.. تمتلئ الحواديت والقصص والأسرار.. التي ربما يمرون عليها مرارًا وتكرارًا دون أن يعلمون عنها شيئًا ودون أن يدلهم أحد على مكنوناتها.
صورة 1.. صندل المسيح المخلوع
في صور عدة، تحمل السيدة العذراء، السيد المسيح طفلا، وبمرورك على تفاصيل المسيح الطفل، قد تجد أمرًا غريبًا، هو أن قدم المسيح بها صندل يسقط من قدمه، قد يفسر الأمر البعض على أن المسيح كان طفلًا حينها، ومن الطبيعي أن يكون الطفل كثير الحركة، وقد يسقط منه الصندل، كالذي يحدث مع أطفالنا حاليًا.
إلا أن ذلك التفسير، ليس صحيحًا ولا علاقة له بالصحة، تمامًا، كما يوضح الايبوذياكون الواعظ كيرستوفر فريد، الحاصل على دبلوم العلوم اللاهوتية من معهد الدراسات القبطية، مؤكدًا في تصريحات خاصة للدستور، أن سقوط الصندل من قدم السيد المسيح ليس أمرًا عفويًا كما يتعامل معه البعض.. بل مقصودًا ومرتبطًا بالكتاب المُقدس.
وأوضح كيرستوفر، أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اعتادت على ربط أيقوناتها بالعقائد اللاهوتية، وخلع الصندل من قدم المسيح يعطي إشارة إلى أنه جاء بعد رفضه من بيت مخلوع النعل، وهي قصة وردت في أحد أسفار العهد القديسم ويدعى سفر راعوث، وتحديدًا الأصحاح الرابع من السفر.
وتشير القصة إلى أن راعوث تلك– وهي جدة من جدات المسيح- كانت من بلدة تدعى مؤاب، وتزوجت من رجل يهودي، ومات هو وأخوه ووالده، واضطرت والدته والتي كانت تدعى نُعمى العودة إلى بلدتها مُجددًا، فرفضت راعوث ان تتركها وتركت بلدتها في مؤاب، وفضلت أن تتبع حماتها إلى إسرائيل، وهناك جاءت الحاجة إلى أن تتزوج من قريب لهم بحسب شريعة اليهود حتى يقيم نسل لزوجها الراحل- وهو ما كان جائزا حينها بالنسبة اليهم- فرفضها أكبر قريب وهو الأحق بها وعلامة تلك الرفض هو أنه خلع صندله وأعطاه لبوعز الرجل التالي له من جهة القرابة، كدليل على تنازله عن تلك الزيجة، والتي أثمرت بعد ذلك بولد دعى عوبيد، الذي أنجب يسى، والد نبي الله داوود والذي يعتبر الجد الأكبر للمسيح.
وأشار كيرستوفر إلى أن تلك القصة توضح أن المسيح جاء بعدما رفض من بيت مخلوع النعل، كمثال شعب بني إسرائيل الذين رفضوه ولم يسمعوه على الرغم من أنه كان واحدا منهم وجاء لهدايتهم، كما تعطي الصورة موعظة إلا أن المسيح نفسه رفض في أونة ما وهو ما يعطي عزاء للمرفوضين بأن الله يحبهم ويقترب منهم.
صورة 2.. العذراء الممنوعة من الكلام
ليست الصور القبطية فقط، هي التي تمتلئ بحكايات العذراء.. فكذا صور كنيسة الروم الأرثوذكس، التي تمتاز بدرجة عالية أيضًا من الجمال الجذاب، إلا أن إحدى تلك الصور تدفعك للتسمر في مكانك، حيث يظهر المسيح الطفل بها غاضبًا، ويمد يده ويمنع والدته عن الكلام.
الشماس والمهندس مرقس حنا، المتخصص في التاريخ الكنسي، قال في تصريحات خاصة للدستور، إن تلك الصورة تحمل اسمًا آخر وهو العذراء المعزية، ويأتي أصل الصورة أو التي حدثت بها القصة في ديرفاتوبيذيو الذي يعني دغلالفتىفيجبلآثوس بدولة اليونان، والذي شهد رعاية عالية من قبل الإمبراطور ثيؤدسيوس الكبير، حيث نجى ابنه من الغرق بشكل معجزي وعُثر عليه مطروحًا على الأرض قرب ذلك الدير.
وعن سر غضب المسيح، في الصورة ومنعه للعذراء من الحديث، فيقول مرقس إن الدير شهد اعتداءً مسلحًا من قبل بعض اللصوص، عام 807 م، وتربص اللصوص في المغائر المقابلة للدير، واضعين خطة لاقتحامه، في مطلع النهار، حيث يفتح الرهبان الروم، أبواب الدير للزوار والمُصلين، زوار كنيسة البشارة التي افتتحها الإمبراطور ثيؤدسيوس وبطريرك القسطنطينية.
ويوضح مرقس أن السيدة العذراء لم ترض ان تحدث تلك المذبحة في الدير، وعندما انتهى الرهبان من صلاتهم في منتصف الليل، وأثناء ذهابتهم الى غرفهم، للاستراحة قبيل القداس والخدمات الكنسية والعملية، سمع رئيس الدير صوتًا يطلب منه عدم فتح ابواب الدير في الصباح قائلا: "لا تفتحون اليوم أبواب الدير بل اصعدوا إلى السور واطردوا اللصوص"، فاستفاق من نومه وأخذ يبحت عن الصوت، الذي اكتشف أنه خارجًا صورة السيدة مريم العذراء التي كانت مُعلقة على السور الخارجي لكنيسة البشارة.
وأشار مرقس إلى أن تلك الجزئية طبيعية ومتوقعة، فالسيدة العذراء ام وحنونة على البشر جميعًا، إلا أن الجزء الغريب في القصة هو أن رئيس الدير- وحسب المراجع وتقاليد الكنيسة- وجد أن السيد المسيح الطفل في الصورة مد يدهإالى فم والدته، محاولًا منعها من تنبيه الرهبان ورئيس الدير، وسمعه رئيس الدير يقول للعذراء:"لا يا أمي لا تقولي لهم هذا بل دعيهم يعاقبون"، فأبت أن تسكت العذراء وحولت وجهها إلى اليمين لتنبيه رئيس الدير بعدما كررت تلك الكلمات مرتين آخرتين للتأكيد عليه.
وعن سر غضب المسيح، أوضح مرقس أن رئيس الدير علل ذلك حينها، بسبب تواني الرهبان في الحياة الرهبانية، موضحان الصورة في أصلها، لم تكن مرسومة على حالتها المتواجدة في الكنائس الرومية بل إنها ظلت هكذا كدليل على صدق المعجزة، ولا تزال الصورة الأصلية في جبل أثوس باليونان.
صورة 3.. عذراء بثلاث أيدي
إذا استقليت وسيلة مواصلات واتجهت إلى الصعيد المصري، وفي أولى محطاتك ستصل إلى محافظة بني سويف، وهناك وتحديدًا في مركز بياض، لك أن تزور ديرها الشهير باسم المنطقة "دير بياض"، أو "دير العدرا بياض"، والذي بسبب جائحة كورونا امتنع عن فتح أبوابه وتنظيم نهضاته الروحية لهذا العام، والذي يشرف عليه نيافة الحبر الجليل الأنبا غبريال أسقف بني سويف.
وفي دير بياض لك أن تزور أيقونة يد المعونة، التي تظهر فيها السيدة العذراء ولها 3 أيدي، وبسؤال الشماس الأغسنطس مينا جرجس، الخادم بإيبارشية بني سويف، قال إن تلك الصورة هي صورة تاريخية وأثرية، رسمت بيد الفنان والقديس يوحنا الدمشقي، والذي رسمها على جدران زنزانته حينما كان مسجونًا.
وعن سبب سجن القديس يوحنا، أوضح مينا أن كتب التاريخ الكنسي والمراجع التاريخية تمتلئ بالحديث عن عترة تحمل مسمى "حرب الأيقونات" وهي فترة حاول أحد الاباطرة الرومان فيها تحريم رسم الأيقونات واستزاد في حرقها، وكان القديس يوحنا الدمشقي فنانًا، يحترف الرسم، على غرار القديس لوقا الأنجيلي كاتب البشارة الثالثة في الإنجيل وسفر أعمال الرسل، والذي رسم أول لوحة للسيدة العذراء.
وتسببت احترافية القديس يوحنا الدمشقي للرسم، وتمسكع برسم الأيقونات المسيحية، في اعتقاله واتهامه بكسر أوامر الإمبراطور وحبسه، وتأتي الصورة للسيدة العذراء وهى تحمل المسيح طفلا، وهنا من الطبيعي أن نجد للسيدة العذراء يدان كبقية البشر، إلا أن اليد الثالثة لها قصة غريبة.
حيث إن الإمبراطور أمر بقطع يد القديس يوحنا الدمشقي لمنعه من الرسم، بعدما أصر على استمراره فيه حتى بعد القاءه في السجن، إلا أنه فوجئ بخروج يد السيدة العذراء من أيقونتها التي كان قد بدأ في رسامتها ولم يكملها بسبب قطع يده حينها، وشفته من جراحه وأعادت له يده المبتورة.
فما كان من القديس يوحنا الدمشقي إلا أنه تم رسم الصورة على أفضل وجه، ورسم يد ثالثة للسيدة العذراء لتذكير كل من يراها بأن العذراء تعين المحتاجين والضارعين إليها.