محمد جبريل
لم أفاجأ عندما قرأت اسم الكاتب الكبير محمد جبريل في مقدمة الفائزين بجوائز الدولة في الآداب.. فقد انتظرت طويلا منذ عشر سنوات أو أكثر أن أقرأ اسم الرجل في تلك الجوائز، التي كثيرا ما تخطته، لا لسبب إلا أن جاد وصريح ومهموم بأدبه فقط.
عندما طلب مني صحفي صديق، أن أكتب عن أول أديب قابلته، تذكرت على الفور الكاتب الكبير محمد جبريل، أول من رسخني كاتبا، وإليه أدين بالفضل الكبير.
دخلت على موقع البحث جوجل لأبحث عن بعض المعلومات عن محمد جبريل، متعه الله بالصحة ومد في عمره، وكتبت على محرك البحث محمد جبريل، ولدهشتي ظهرت لي مئات الصفحات والمواقع تتحدث عن القارئ الشيخ محمد جبريل، ولم يظهر الكاتب محمد جبريل، فأعدت الكتابة مرة أخرى الكاتب محمد جبريل.
أول كاتب معروف قابلته ورأيته، كان الكاتب محمد جبريل، وقتها كنا في منتصف الثمانينيات، وكنت في دورة تدريبية بالقاهرة، نظمها لي عملي، استمرت شهرين، وكنت أقيم في استراحة تتبع مقر عملي في وسط البلد.
كنت كصعيدي أخرج لأتمشى عصرا، وجلست على مقهى، عرفت فيما بعد أنه مقهى البستان، كنت أجلس بمفردي ثم جاء شاب في سني وجلس معي، تكلمنا دون سابق معرفة، وأخبرته أنني أحب القراءة، كان هو أيضا مهتما بالكتابة والقراءة، كانت لهجته صعيدية وعرفني بنفسه، عبد الحكيم حيدر الحجيلي، وأخبرني أنه ذاهب إلى ندوة الأربعاء في جريدة المساء، لحضور ندوة الكاتب محمد جبريل.
حضرت الندوة مترددا، وقتها كنت أسمع عن محمد جبريل وندوته، وقرأت له مجموعة قصص بعنوان انعكاسات الأيام العصيبة، وقرأت له روايات كثيرة تتحدث عن الإسكندرية، وكان يكتب في صحيفة المساء، وله باب أسبوعي، لم تكن الندوة قد بدأت عندما دخل مدير الندوة.
كانت صحته جيدة، ووجهه أبيض وسيم وشعره غزير ومفلفل. كانت لدي صورة ذهنية عنه، مختلفة عن الحالة التي وجدته عليها، الغريب أنني عندما قابلت الكاتب "صنع الله إبراهيم " بعدها بعشر سنوات، اتضح لي أن الصورة الذهنية التي شكلتها في خيالي للكاتب محمد جبريل، هي صورة صنع الله التي ترسخت في ذهني باعتبارها الصورة التي ينبغي أن يكون عليها الكاتب.
كانت أول مرة أحضر ندوة، وكان هو يعرف كل رواد ندوته، فطلب مني أن أعرف نفسي، فقلت أنا حمدي عبد الله أحمد البطران، مقدم شرطة، وأهوى القراءة، ضحك وقال:
- حمدي البطران، وصار اسمي الذي عرفت به واسم الشهرة، وسألني عما قرأت فأخبرته أنني أقرأ لتوفيق الحكيم ويوسف إدريس والسباعي وصنع الله، سألني:
-ماذا قرأت لتوفيق الحكيم، أخبرته أنني قرأت عصفور من الشرق وحماري، ثم سألني عن كتب يوسف إدريس، فأخبرته أنني قرأت رواية الحرام .
كان يريد أن يتأكد أنني أهوي الأدب ولست متطفلا، وصارت علاقة بيننا وكنت أحرص على حضور ندوة الأربعاء، واستمرت صداقتي بعبد الحكيم على مقهى البستان، ولما رجعت إلى بيتي وجدت نفسي أمسك القلم وأكتب، وكتبت قصة قصيرة، بعنوان لحظة جحود وأرسلتها لمحمد جبريل، وفوجئت بها ينشرها لي في المساء وأخبرني بعض أصدقائي أنهم شاهدوا اسمي في المساء، وكان هذا شيئًا عظيما لي.
ولما سافرت القاهرة ذهبت لندوته، وسألني بعض الأسئلة وكان يكتب في ورقة أمامه، وطلب مني صورة، وبعدها وجدت أول حديث صحفي معي، باعتباري كاتبا، ونشر صورتي، وهو مما رسخني ككاتب، وبدأت أهتم جدا بالقراءة والكتابة وأهداني مجموعته القصصية بعنوان "هل "، وقاضي البهار بنزل البحر.
وعندما اندمجت في الندوة عرفت خلفيات عالم الأدب، ورشح لي الأصدقاء ورايات وكتب، فكتبت أول مجموعة قصصية بعنوان المصفقون . والغريب أن الحديث الذي نشره محمد جبريل كان أول وآخر حديث لي حتى نشرت روايتي يوميات ضابط في الأرياف، التي أحدثت ضجة وأنهت خدمتي كضابط. واستمرت صداقتي بكلا الرجلين، محمد جبريل وعبد الحكيم حيدر الحجيلي، رغم الاختلاف ما بين الرجلين.