مصر ومخاطر الوجود التركى فى ليبيا
أشار الكاتب الصحفى الكبير صلاح منتصر فى عموده اليومى بأهرام الثلاثاء ٢١ يوليو الحالى إلى أنه «تم من داخل أمريكا تسريب وثيقة سرية يطالب الذين كشفوها الرئيس الحالى ترامب بالكشف عنها»، تضمنت هذه الوثيقة معلومات تؤكد ما قيل مرارًا وتكرارًا عمَّا تم منذ مجىء أوباما لحكم الولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠٠٨ من اتصال بينه وبين الإخوان المسلمين، لتمكينهم من الحكم.
تحدثت الوثيقة عن ملخص الخطة السرية، التى وقعها أوباما «دمج الأحزاب السياسية للإخوان فى تونس وليبيا ومصر والجزائر والمغرب والسودان (وهذه دول سنية) وخضوعها لسيطرة حزب العدالة والتنمية التركى، وهيمنة إيران على دول شمال الجزيرة العربية كالعراق وسوريا ولبنان، وهذا يحقق توازن القوى ويسهل تعامل أمريكا مع دولتين (تركيا وإيران) لتحقيق مصالحها». وقد تمت الموافقة على هذه الخطة فى أغسطس ٢٠١٠، وبالفعل استمرت أمريكا فى تنفيذ هذا المخطط فى كل الدول العربية من أجل تقسيمها وإشعال الصراعات العرقية والمذهبية لتمزيقها.
والآن ووسط الظروف العصيبة التى تمر بها كل الدول، ومنها مصر فى مواجهة تفشى فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية ووسط استمرار مصر فى مواجهة خطر العمليات الإرهابية المستمرة ضد أمن وأمان المصريين فى الداخل وعلى حدودنا فى سيناء الحبيبة، إذا بمزيد من المخاطر التى تهدد الأمن القومى لبلدنا على حدودنا الغربية مع دولة ليبيا، والتى تمتد لـ١٢٠٠ كم بجانب قضية سد النهضة الإثيوبى، والذى يهدد الأمن المائى المصرى، وهى قضية حياة ووجود.
وجاءنا التهديد بسبب تصاعد الأطماع التركية فى ثروات المنطقة العربية وحلم الرئيس التركى المتغطرس أردوغان فى إعادة الإمبراطورية الاستعمارية العثمانية وإعادة «الخلافة الإسلامية» (احتل العثمانيون ليبيا حوالى ٣٠٠ عام منذ منتصف القرن السادس عشر الميلادى إلى منتصف القرن التاسع عشر)، وقد تحطم حلمه بثورة الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ بإسقاط حكم الإخوان المسلمين فى مصر والقضاء على مخطط تفتيت الوطن العربى على أساس عرقى ودينى ومذهبى، والذى كانت بداياته مع صعود الإخوان لحكم مصر ٢٠١٢ وصعود حزب النهضة الإخوانى فى تونس فى نفس الفترة بعد ثورات وانتفاضات الشعوب فى بعض البلدان العربية فى ٢٠١١.
وبعد تحطم هذا الحلم مع ثورة الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ بدأ أردوغان فى التخطيط لتحقيق حلمه باستقبال الإخوان على أرضه وحمايتهم وتمويلهم وأيضًا تدريب عناصر متطرفة كمرتزقة من كل الدول وتسليحها وإرسالها للعراق وسوريا والتوسع فى البقاء فى هذه الدول، ودخلت قطر لدعم المشروع التركى بتمويل هذه الجماعات، ووجدت تركيا ضالتها فى تحقيق حلمها وحل أزمتها الاقتصادية الطاحنة فى الداخل عن طريق تقاسم ثروات النفط والغاز مع الحكومة الليبية، بل وأيضًا تحقيق مصالحها فى التنقيب عن الغاز والبترول فى البحر المتوسط داخل حدود المياه الإقليمية لليبيا، وفى شرق البحر المتوسط فى المياه الإقليمية لدول مصر وقبرص واليونان، وفى مخالفة لكل المواثيق الدولية وبالمخالفة لقرارات الأمم المتحدة بحظر توريد السلاح لليبيا، إذا بها تبرم اتفاقية عسكرية للدفاع المشترك مع ليبيا وبناء الجيش الليبى، وهى اتفاقية غير قانونية مع حكومة السراج الليبية «والتى انتهت مدتها وشرعيتها وفق اتفاق الصخيرات»، هذه الحكومة المتحالفة مع الإخوان والميليشيات الدينية المتطرفة والقبلية، وبموجب هذه الاتفاقية أرسلت تركيا الآلاف من المرتزقة الذين دربتهم وسلحتهم ومولتهم ومعظمهم من النازحين واللاجئين السوريين الموجودين فى إدلب السورية وفى مخيمات الإيواء، أرسلتهم إلى ليبيا للزحف من غرب ليبيا إلى شرقها للاستيلاء على منابع النفط، ولتهديد الأمن القومى المصرى تهديدًا مباشرًا بوصول العناصر الإرهابية إلى قلب مصر لعمل عمليات تخريبية داخل مصر تستهدف شعبها ومؤسساتها، وللقيام بأعمال هجومية على الجيش المصرى لإضعافه وإنهاكه. وبدأت تركيا فى إنشاء قاعدتين عسكريتين فى الوطية ومصراتة.
إن ما يقوم به الرئيس التركى المتغطرس المتهور من تهديد للأمن القومى المصرى يستدعى التصدى له من قبل الدولة المصرية بكل الوسائل وكل الخيارات، لأن ما يقوم به لا يهدد مصر فقط، ولكنه تهديد للأمن والسلم الدوليين على المستوى العربى والإقليمى والدولى، وأولهم دول الجوار والدول المطلة على البحر المتوسط فى شمال إفريقيا، ودول أوروبية، مثل إيطاليا وفرنسا واليونان وقبرص هذا بجانب مصالح الدول الكبرى وأطماعها فى ثروات ونفط الدول العربية.
تتصاعد الأحداث، ومنها نذر الحرب فى حالة إصرار تركيا برئاسة أردوغان على استمرار غزواته على ليبيا واحتلالها وإنشاء قواعد عسكرية فيها والتقدم شرقًا نحو سرت والجفرة والهلال النفطى الليبى، مما يهدد الأمن القومى المصرى، لذا وافق البرلمان المصرى فى ٢٠ يوليو ٢٠٢٠ على إرسال عناصر من القوات المسلحة فى مهام قتالية «خارج حدود الدولة» للدفاع عن الأمن القومى المصرى فى الاتجاه الاستراتيجى الغربى ضد أعمال الميليشيات الإجرامية المسلحة والعناصر الإرهابية الأجنبية إلى حين انتهاء مهمة القوات، وأكد البرلمان على أن الأمة المصرية داعية سلام، لكنها لا تقبل التعدى عليها أو التفريط فى حقوقها، وهذا يتطلب بناء جبهة داخلية متماسكة تقف سندًا للجيش المصرى فى مهامه للدفاع عن أمن وأمان الوطن، ويكون ذلك بالتشارك بين مؤسسات الدولة وجميع منظمات المجتمع المدنى.
إن استقرار ليبيا والحفاظ على وحدة وسلامة شعبها وأرضها هو استقرار وحفاظ على الأمن القومى المصرى.