كيف تنبأ «سفر الرؤيا» عن عقاب الأشرار في جهنم؟
أدلى الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران الغربية وطنطا للروم الأرثوذكس، والمتحدث الرسمي للكنيسة في مصر، بتصريح صحفي، حول "عقاب الأشرار في جهنم".
وقال الأنبا نيقولا أنطونيو، في بيان رسمي، عبر كتاب رؤية أورثوذكسية في تفسير سفر الرؤيا:"إنه في (رؤ 20:14) يقول يوحنا "وَدِيسَتِ الْمَعْصَرَةُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ دَمٌ مِنَ الْمَعْصَرَةِ حَتَّى بَلَغَ لُجُمِ الْخَيْلِ، مَسَافَةَ أَلْفٍ وَسِتِّمِئَةِ غَلْوَةٍ". وقول يوحنا "وَدِيسَتِ الْمَعْصَرَةُ" يُشير إلى عقاب الأشرار الذين تكاثرت آثامهم في نار جهنم، وهو بالمجهول وهذا يشير إلى أن هذا العمل هو عمل إلهي، إنه هو عمل ابن الإنسان- المسيح- الذي "يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ اللهِ" كما سيُذكر في (رؤ 15:19). وقوله هذا يوحنا مُستَوحَى من سفر يوئيل النبي، بقول الرب: "هَلُمُّوا دُوسُوا لأَنَّهُ قَدِ امْتَلأَتِ الْمِعْصَرَةُ. فَاضَتِ الْحِيَاضُ لأَنَّ شَرَّهُمْ كَثِيرٌ" (يوء 13:3)".
وأضاف أن "الْمَعْصَرَةُ"، هي "مَعْصَرَةُ غَضَبُ اللهِ الْعَظِيمَةِ" (رؤ19:14)، "غَضَبِ اللهِ"، يشير إلى عدل الله في شدة عقابه لا إلى انتقامه، كما ذُكر في (رؤ 18:11). وقوله "خَارِجَ الْمَدِينَةِ"، يعني أن المقاومين لله ومُضلِّي أبناء لله سيعاقبهم الله خارج المدينة المقدسة، لأنه بحسب الشريعة اليهودية كل مجرم يُقتَل خارج المدينة (لا 14:24)، لذلك صلب اليهود يسوع المسيح كمجرمٍ خارج مدينة أورشليم هو واللصين اللذين معه.
وتابع: "كما يقول يوحنا: "فَخَرَجَ دَمٌ مِنَ الْمَعْصَرَةِ حَتَّى بَلَغَ لُجُمِ الْخَيْلِ". بمعنى أن الدم لم غمرها كليًّا. هذا يشير إلى العقاب الرهيب للمقاومين لله ومُضلِّي أبناء لله. قوله هذا ليس صورةً رمزيةً، بل قد يكون تذكرةً منه لحدث سقوط مدينة أورشليم عام 70م؛ لأن هذا حدث بالفعل خلال المعارك بين اليهود والرومان، ذلك كما ذَكر في (رؤ 13:11) عن مقتل سبعة آلاف من الناس، فقد ذكر المؤرخ يوسيفوس: «أنه في إحدى ثورات اليهود ضد الرومان جانب بحر الجليل، أن الرومان قتلوا عددًا كبيرًا من اليهود وألقوا جثثهم فيه حتى أنه أصبح ماؤه أحمر اللون من كثرة دمائهم، وعندما دخل الرومان بأحصنتهم فيه كانت الخيل تسير وسط المياه الحمراء التي غمرتها». ويوحنا نفسه هو وكثيرون من معاصري هذا الحدث، الذين كانوا لا يزالون أحياء وعايشوه، يعرفون المعنى المقصود فيما يكتبه يوحنا. كما أن أخبار هذا الحدث كانت معروفةً من أورشليم حتى روما، أي في كل المسكونة، حيث توجد كنائس يُقرأ فيها سفر الرؤيا. وقد استخدم يوحنا صورة هذا الحدث كي يتنبه قُراء هذا السفر، في ذلك الوقت ولاحقًا، إلى شدة الكربة التي ستحل على كل من لا يرجع تائبًا. هذا هو هدف يوحنا من استخدامه هذه الصورة هنا لهذا الحدث".
وأوضح: "ثم قول يوحنا أن الدم بلغ "مَسَافَةَ أَلْفٍ وَسِتِّمِئَةِ غَلْوَةٍ". وهذا يشير إلى أن غضب الله سيكون على جميع الساكنين في إسرائيل الرافضين له وغير التائبين، ذلك أن المسافة من شمال إسرائيل إلى جنوبها هي حوالي 1600 غِلْوَة. وهذا يعني أن غضب الله سيكون على جميع البشر الخطاة غير التائبين والذين قتلوا الشهداء في كل العالم، من أقصاه إلى أقصاه، وهؤلاء جميعًا ستدوسهم معصرة غضب الله. "الغِلْوَة"، مقياس يوناني يساوي حوالي 660 قدم، أو حوالي 201 مترًا؛ ومسافة 1600 غِلْوَة تساوي حوالي 322 كيلومترًا".
وأكمل:"رمزيًّا: عن الرقم "أَلْفُ وَسِتِّمِئَةِ". الرقم 1600 هو حاصل جمع 1000+600، أي يساوي (10×10×10) + (10×10×6). الرقم 1000 يدل على جميع عقود الأعداد (الآحاد والعشرات والمئات). وكما ذُكر في (رؤ 4:7): الرقم 10 هو كمال الأعداد ويرمز إلى الشيء الكثير، وقد كُرّر الرقم 10 خمس مرات، وهذا يشير إلى الشيء الكثير جدًّا وليس إلى الكمال والملء. أما الرقم 7 فيرمز إلى الكمال، والرقم 6 هو رقم ناقص لأنه أقل من الرقم 7. وهذا يشير إلى أن غضب الله على الخطاة، وإن كان لخمس مرات، إلا أنه لن يكون كاملًا وإلى النهاية، بل سيكون أقل بكثير، وذلك من محبة الله للبشر؛ كما يقول يسوع: "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يو 16:3)".
واختتم: "وهذا يُبين هناك فرصةً للخلاص إن كان للذين يُقاومونه من داخل الكنيسة ويُضِلوا المؤمنين به ليرفع الله غضبه عنهم، وهؤلاء هم أصحاب الهرطقات المُنحرِّفة التي تُحرف الإيمان المسيحي الحق. أو للذين من خارج الكنيسة الذين رفضوه واتبعوا آلهةً غريبةً، وهؤلاء هم مَن تبنوا الفلسفات والأيدلوجيات الوجودية ومثاليات بشرية تدعو الإنسان إلى تأليه ذاته بعيدًا عن الله. ذلك إذا تابوا آمنوا به ربَّا وإلهًا. لهذا السبب قال يوحنا: "فَخَرَجَ دَمٌ مِنَ الْمَعْصَرَةِ حَتَّى بَلَغَ لُجُمِ الْخَيْلِ". ولم يقل أن الدم "بَلَغَ رَأْسِ الْخَيْلِ"، أي غمرها كليًّا. "الخيل" ترمز إلى الجماح والبعد عن الله".