القانونى والدينى
يا ابنى، يا بابا، يا حبيبى، افهم عشان خاطرى.
فيه فرق بين القانونى والدينى، فرق كبير كبير كبير، أكبر من الفرق فى شعر عماد حمدى، أكبر من الفرق بين باريس وباريس الفيوم، أكبر من أى حاجة تتخيلها.
الجريمة تختلف عن الحرام، ودا مش لا سمح الله، لـ إنه واحد فيهم أحسن من التانى، أو مقدم على التانى، إنما لـ طبيعة كل واحد فيهم، القانون مش بـ يسعى لـ الحق والخير والجمال، أو خلينا نقول مش بـ شكل مباشر، دا مش دوره، مش شغلته، القانون بـ ينظم أمور البشر، والعلاقات بينهم، بـ حيث كل واحد «كل واحد، واخد لى بالك» يقدر يعيش حياته بـ صورة أفضل، يعيش حياته ويمارس اختياراته، ويخوض تجربته فى الحياة، تجربته هو مش تجربة حد تانى.
القانون بـ يحد من حرية البشر، أيون، دا دوره، يحد من حرية البشر فى بعض الأفعال، إنت متغاظ من عباس، عايز تقتله، القانون يمنعك إنك تقتله، مهما كانت أسبابك وجيهة، ووجيعتك منه قوية، واللى عمله فيك مش كويس، القانون بـ يمنعك إنك تقتله، مش لـ إن قتله «شر»، أكتر من اللى عمله فيك، لا، دا مش شغلة القانون، ساعات ناس تعمل حاجات، القتل جنبها يبقى لعب عيال، عندك مروان محسن أهه، هل عمل فينا شوية؟
لأ، إنما القانون بـ ينظم حياة الناس، على نحو عملى بحت، فتح الباب لـ القتل، هـ يحيل حياة الناس لـ جحيم، يلغى الطمأنينة النسبية اللى عايشين بيها وعليها، لو اتفتح الباب لـ القتل، ما حدش هـ يعرف ينام، ولا يمشى فى الشارع، ولا يقعد فى بيتهم باله رايق خمس دقايق، لـ ذلك القتل جريمة عظمى، ليها أقصى وأقسى العقوبات، علشان حضرتك وحضرته وحضرتى، يفكر خمسة مليون مرة، قبل ما يورد فى ذهنه إنه يقتل حد.
طيب، هل تغليظ العقوبات على القاتل، حل المشكلة بـ شكل جذرى؟ هل الناس بطلت نهائيًا تقتل بعض؟ شوف كام جريمة قتل بـ تحصل كل يوم، تمام، هو ما فيش حل «نهائى» لـ أى مشكلة، من ساعة ما اتوجدنا على الأرض دى، هـ يفضل الإنسان يؤذى أخاه الإنسان، بـ كل أشكال الإيذاء، ما فيش جريمة انتهت بـ صورة كاملة، حتى الاستعباد، ومش قصدى إيجاد صور حديثة للعبودية، قصدى ع العبودية التقليدية، ما زال حتى الآن فيه ناس عندها «عبيد».
إنما، عدم حل المشكلة بـ صورة نهائية، لا يتساوى مع تفشيها، بـ معنى: آه فيه ناس بـ تقتل، بس دا نسبته قد إيه، وسياقه عامل إزاى، وفى مجتمعات شكلها إيه؟ فى النهاية، أغلبية السبعة مليار اللى عايشين، آمنين على نفسهم من الجريمة دى، فـ المشكلة موجودة، بس قادرين نتعايش معاها، ونعيش وننتج ونروح ونيجى، الأمر مختلف تمامًا، لو جارك عبدالصمد يقدر يقتلك، وينجو بـ فعلته من العقاب.
أى: الأمر مختلف لو أصبح الفعل «اعتيادى»، وجود الجريمة شىء، وإنها تبقى فعل يومى شىء تانى خالص خالص.
المهم، إنه دور القانون تنظيمى لـ تيسير الحياة، إنما الحرام والحلال دا موضوع تانى تمامًا تمامًا، دى مرجعية شخصية فردية، ينظم بيها الإنسان الفرد حياته اليومية، وما يفعل أو لا يفعل من السلوكيات، حضرتك مسلم، حرام عليك تاكل لحم الخنزير، تمام، ما تاكلوش، إنما القانون ما ينفعش يمنعك من أكله، ليه؟ لـ تلات أسباب:
أولًا: هذا الحرام اللى إنت بـ تعمله، لا يتسبب تنظيميًا وعمليًا فى أذى إنسان آخر، عجلة الحياة مش هـ تتوقف، لما حضرتك تتغدى ورك خنزير.
ثانيًا: الدولة فيها مواطنين تانيين مش مسلمين، بـ التالى دا مش محرم عندهم، ما ينفعش أحرم ملايين الناس، من تناول أكلهم الطبيعى، علشان فيه ناس تانيين، بـ يحرموا على نفسهم الأكل دا. ومش معقول هـ أمشى ورا كل واحد، أشوف عقيدته إيه وبـ ياكل إيه.
ثالثًا: على الأرض، هـ أمنع الموضوع دا إزاى؟ هل هـ أعمل مثلًا قسم فى الداخلية، مكتب مكافحة أكل الخنزير، إنفاذ القانون، عملية مكلفة وقت وجهد وفلوس ورجال، ومنظومات كاملة قضائية وتنفيذية، إنفاذ القانون مش بـ النية، فـ هل التزام الناس بـ عدم أكل لحم الخنزير، يساوى صرف طاقات وقدرات الدولة فى مراعاته؟
ما ياكلوا، هم «أحرار».
أنا اخترت لك نموذج لحم الخنزير، لـ إنه فى حدود علمى، ما فيش خلاف بين المسلمين على حرمانيته، إنما قضايا الحلال والحرام، ليها اعتبارات أعقد كتير من دا، أهمها: إنه الحرام والحلال مش ممسوكين، غير قابلين لـ وضعهم فى أطر قانونية قابلة لـ التنفيذ، الحرام والحلال قائمين على منظومة تانية خالص، بـ تبدأ مثلًا من النية، القانون ما ينفعش يراقب نوايا الناس.
واحد بـ يصلى رياء الناس، دا حرام جدًا، يوديك جهنم وبئس المصير (طبقًا لـ الإسلام كما أفهمه) إنما القانون ماله؟ القانون دوره ينظم عملية صلاتك، فى حدود اختصاصاته، من إنه الدولة توفر لك دور العبادة، وتنظم أمورها العملية، وكيفية إدارتها والإشراف عليها، صلاتك نفسها ما تهمش القانون فى حاجة.
كمان الحرام والحلال عليهم اختلافات كتير، دا حرام بـ النسبة لك، بس مش حرام بـ النسبة لـ غيرك، التابع لـ نفس الدين، بل إنه فيه ناس أعرفها، كانت بـ تحرم حاجات فى التسعينيات، النهارده بـ تسعى لها، زى الأصوليين اللى كانوا بـ يحرموا التليفزيون، على أساس تحريم التصوير من بابه، بعدين فتحوا قنوات، وبقوا يطلعوا فى البرامج، ويقعدوا قدام الكاميرات عادى خالص.
ما فيش أى قضية فى الدنيا، مرت من غير اختلافات بين رجال الدين نفسهم، واختلافات جوهرية كمان، زى المرأة، فوائد البنوك، الفنون، الطلاق بـ النسبة لـ المسيحيين، وغيره وغيره وغيره.
فـ يا صديقى، الحرام والحلال شأن شخصى، من حق كل إنسان إنه ينظم حياته، زى ما هو عايز، يلزم نفسه بـ ما يشاء، لكن ما يحكمنا هو القانون، ما يلزم الناس هو مواد القانون، تانى، الناس أحرار فيما لا يمنعه القانون، بـ التالى، مناقشة أى أمر على مسطرة حرام حلال، يجب أن تبقى بين أناس ليهم نفس الأرضية العقائدية المشتركة، مع مراعاة أن ما يتوصلون إليه أيًا كان، يخصهم هم فقط، ولا يصح إلزام باقى الناس بيه.
غير كدا عبث، وإحنا المرارة شايلينها، والعلاج اللى المفروض نمشى بيه مش لاقيينه، وحاجة آخر وجع قلب، سايق عليك النبى يا شيخ.