بطرس غالي: السياسات الاقتصادية المصرية في أيد أمينة
قال الدكتور يوسف بطرس غالي، خبير الاقتصاد الدولي، إن الفترة الحالية هي فترة غير واضحة اقتصاديا، مؤكدًا أن السياسات الاقتصادية المصرية في أيد أمينة وعلى أعلى مستوى من الكفاءة.
جاء ذلك خلال، ثاني حلقات جلسات "اقتصاد مختلف في عالم مختلف"، التي نظمتها الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية تحت رعاية رئيس الغرفة أحمد الوكيل، عبر تطبيق "zoom"، بحضور الوزير السابق والخبير الاقتصادي الدولي، الدكتور يوسف بطرس غالي، متحدثًا رئيسيًا بالجلسة.
وأكد« غالي» أن أزمة فيروس فيروس كورونا ستغير من شكل القرن الواحد والعشرين بشكل كامل، فالجيل الحالي سيعيش في آثار أزمة كورونا حتى 20 سنة مقبلة، فالأزمة أثرت في دول العالم كافة، موضحا أن النشاط البشري وليس الاقتصادي فقط توقف، فلم يتمكن أحد من الخروج ولا الإنتاج ولا البيع والشراء، فما حدث إصابة جسيمة في الجسم البشري، ما يؤثر على الأنشطة البشرية المستقبلية بشكل كامل.
وأشار إلى أن ما يحدث حاليًا نتيجة أزمة فيروس كورونا، لا أحد كان يتوقع حدوثه، مضيفًا أن الأزمة الاقتصادية عام 1930 كانت بشكل أساسي بسبب انهيار بورصة "وول ستريت"، ما أدى إلى انهيار الجهاز المصرفي الأمريكي، وتأثير الأزمة على بقية دول العالم.
وأكد أن أزمة 1930 إذا حدثت في الوقت الحالي، ستعالج في أقل من 3 شهور، وذلك لأن وقتها كانت الولايات المتحدة هي منبع أساسي للقروض، أما الآن فالوضع مختلف، كما أن الجهاز المصرفي الأمريكي لم يكن وقته نمى بالدرجة التي تسمح بحدوث موانع حريق، أما الوضع الحالي مختلف تمامًا.
واستكمل بطرس غالي أن الأزمة الاقتصادية الثانية كانت في عام 2008، بدأت بانهيار أسعار الديون العقارية قليلة الجودة، ما أدى إلى تفشي الانهيار في بنوك الاستثمار، وفقد الثقة في أسواق المال، وحدوث شلل تام في جميع الأسواق، موضحا أن الحل لأزمة 2008 كان في ضخ أموال ضخمة في أسواق المال، وإتاحة جميع الأموال للمتعاملين، وبالفعل تم ضخ 11 تريليون دولار في أقل من شهر في كافة أسواق العالم، لإرجاع ثقة المتعاملين في آليات السوق.
وشبه« غالي» أزمة كورونا الحالية، كشخص أصيب في حادث سيارة، بكسور في جميع الجسد، وارتجاج في المخ، فجميع أعضاء الجسم البشري تمزقت، وبالتالي لابد من علاج الجسم بالكامل، للحفاظ على حياة المريض، فالهدف الأول هو محاولة إنقاذ حياة ذلك المريض، وضمان عدم وفاته.
وأكد أن يجب للخروج من الأزمة ضح المزيد من الأموال في جسم الاقتصاد بالكامل، وتقديم الدعم الكامل لجميع المواطنين، سواء أفراد أو شركات أو مؤسسات خيرية، للحفاظ على نسيج المجتمع بالكامل، مشيرا إلى أن أن هناك 3 تناقضات هامة جراء أزمة فيروس كورونا المستجد، وسنعيش بهم فترة طويلة مقبلة، ولعلاج تلك التناقضات يجب التفكير في صميم السياسة الاقتصادية، والمعالجة الاقتصادية.
أما عن التناقض الأول، فهو التسائل هل نغلق أم نفتح؟، فهل نحافظ على الاقتصاد مقابل الصحة، أم نغلق وقد ينهار الاقتصاد، مؤكدًا أنه حتى الآن، تلك الإجابة على السؤال غير واضحة، فدولة السويد قررت ألا تغلق، وكانت النتيجة زيادة عدد الإصابات بشكل كبير، ما أدى إلى مراجعة تلك القرارات، أما أمريكا فقررت أن تغلق فترة ثم تراجعت، ما أدى إلى انتشار المرض بشكل كبير وصل إلى 50 ألف حالة يوميًا، فحتى الآن لا يوجد سياسة تم الاعتراف بها، مشيرا إلى أنه تم التوصل إلى سياسة مقبولة، وهي فتح المناطق التي وصلت بها المعدل إلى 15 إصابة فقط بين 100000 شخص، وإذا زاد الرقم يتم الإغلاق مرة أخرى.
أما عن التناقض الثاني فأوضح أنه في كيفية ضخ أموال كبيرة على المجتمع للحفاظ على النسيج المجتمعي والسياسي والاقتصادي، وفي نفس الوقت المحافظة على التوازنات المالية، ويجب المفاضلة بين نتائج عدم التدخل بتمويل، ونتائج الحفاظ على التوازنات المالية، وأكد أنه إذا بيده القرار سيختار الحفاظ على النسيج المجتمعي والاقتصادي، حتى لا تتأثر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بعد انتهاء الأزمة، فستنهار تلك المؤسسات إذا لم تجد من يدعمها، وأن عملية ضح الأموال تحدث من خلال تقديم ضمانات والتزمات عرضية على الموازنة، أو بشكل صرف مباشر من الموازنة.
وعن التناقض الثالث أكد أنه هو الفقر، فنسب معدلات الفقر ستزيد في كل دول العالم، نتيجة أزمة فيروس كورونا المستجد، وسنحتاج إلى استنباط موارد من الاقتصاد، وبالتالي وضع ضرائب على أصحاب المشاريع والأنشطة الاقتصادية، ما يؤدي إلى تقليل الاستثمارات وبالتالي عدم القدرة على تحقيق التوازن المالي.
واستكمل أن الآثار المباشرة نتيجة فيروس كورونا المستجد هي انهيار معدلات النمو المتوقعة، فحسب أخر تقرير لصندوق النقد الدولي، توقع معدل نمو بالسالب وصل حوالي 5% للاقتصاد العالمي، أي حدوث انكماش عالمي في الاقتصاد، أما عن إفريقيا فمن المتوقع حدوث انكماش للاقتصاد بنسبة سالب 3.4%، والشرق الأوسط متوقع حدوث انكماش بنسبة سالب 7.6 %ن ومن الآثار المباشرة جراء الفيروس أيضًا زيادة نسبة البطالة، فوصلت في أمريكا إلى 25%، وأوروبا 15%، كما قلت تحويلات العاملين في العالم، ومن المتوقع أن تنخفض بقيمة 100 مليار دولار، أي أقل بنسبة وصلت إلى الثلث.
وأشار إلى أن الإنفاق العام وصل إلى 11 تريليون دولار، على مستوى العالم، نصفه في شكل انفاق نقدي، والنصف الآخر في شكل ضمانات ومساندة، لافتا إلى أن الأزمة الحالية أيضًا هي عدم التنسيق بين دول العالم ومناقشة كيفية الخروج من الأزمة، على عكس الأزمات الاقتصادية الماضية التي كانت تتكاتف الدول للخروج بحلول متعددة الأطراف.
أما عن الحلول التي قامت بها بعض الدول للخروج من تلك الأزمة، فأكد أن أمريكا ضخت الكثير من الأموال، وصلت إلى 2.3 تريليون دولار، بنسبة 11% من الناتج المحلي، أما اليابان ضخت 5% من الناتج المحلي، والصين ضخت 5%، أما البرازيل فضخت 11% من الناتج المحلي، والهند ضخت 5.1%، أما مصر فضخت 1.8% من الناتج المحلي، بقيمة 2 مليار جنيه، وبالتالي فجميع حكومات العالم تدخلت في النشاط الاقتصادي.
وأوضح أن البيئة التي ستواجه العالم فيما بعد أزمة فيروس كورونا المستجد، هي ارتفاع المديونية في جميع الوحدات الاقتصادية في المجمتع، بدءً من الأسرة للشركات والمؤسسات والدول، واختفاء المدخرات بنسبة كبيرة من الشركات والمؤسسات، والأسرة، وانهيار الاستهلاك نتيجة انحصار الإنشاط الاقتصادي، واستمرار البطالة، إضافة إلى تغير الإطار السياسي في العالم، وتراجع شديد للعولمة، وزيادة نسب الفقر، وتهديد بحركة التجارة العالمية، نتيجة للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وأشار إلى أن صندوق النقد الدولي اقترح خلال تلك الأزمة خلق تريليون حقوق سحب خاص، وهي عبارة عن عملة مختلقة داخل صندوق النقد الدولي قيمتها تحدد بتوليفة من خمس عملات، وهدفها خلق سيولة في العالم، ويتم توزيع تلك الأموال على الدول النامية، ويتم توزيعها حسب حصة كل دولة في صندوق النقد الدولي، ولكن لم يتم اعتماد القرار بسبب رفض أمريكا إعطاء الصين نسبتها من تلك العملة.
وأكد أن الحرب بين الصين والولايات المتحدث ليست حرب تجارية، فهي حرب من الولايات المتحدة على الصين، وذلك لأن الولايات المتحدة بدأت في فقد الصدارة في العديد من المجالات، كالذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الاتصالات، وذلك نتيجة لتقدم الصين عن بقية الشركات،مضيفا وأضاف أنه يجب على الدول النامية أن تبدأ في صياغة سياستها الاقتصادية الداخلية والخارجية، لكي تكون قادرة على تحمل تلك الأزمات المتوقعة، وتحمل الصدمات، والمناعة ضد المتوقع من التدفقات النقدية الخاطئة المتوقعة.
وأكد أن مديونية الدولة تختلف عن مديونية الفرد أو الشركة، فالدولة قادرة على توليد الموارد اللازمة لتسديد تلك المديونيات الداخلية، مشيرًا إلى أن الفترة الحالية هي فترة ركود، نتيجة قلة الطلب، ومن الممكن أن نتحمل جزء من الضغوط التضخمية الناتجة عن زيادة الدين، مشيرا إلى أنه يجب زيادة القدرة التنافسية للدول من خلال وضع برامج تأهيل للعمالة، للتقليل من نسبة البطالة المزمنة، مؤكدًا أن تخفيض سعر الفائدة، سيؤدي إلى تحريك سعر الصرف، وبالتالي زيادة التنافسية في قطاع التصدير.
ووصف الاقتصاد المصرية بـ"المعقد"، والقرار في مصر يجب بناؤه على مجموعة من المعطيات والمدخلات الصعبة، مؤكدًا أن المسؤولين عن القرارات الاقتصادية في مصر، لديهم الكفاءة والخبرة، ومن المؤكد أن لديهم الأسباب المختلفة في قراراتهم الأخيرة، خلال أزمة كورونا، مشيرًا إلى أنه يؤمن بأن الاقتصاد المصري قادر على مواكبة الأحداث، ولكن مع تطبيق السياسات الصحيحة.
وأضاف أن ما حدث في مصر خلال الخمس سنوات الماضية من تطوير كبير في البنية التحتية والطرق، سيساهم بشكل كبير في تطوير العملية الإنتاجية، فذلك التطوير كان في وقته المناسب، وخطوة هامة للتقدم والإصلاح الاقتصادي.