بين المستحيل والممكن.. فن تضييق المسافات
كثرت عبارات المستحيلات، وكأنّ الإنسان أصبح عاجزًا عن الحركة أو إن شئنا فلنقل: «عجزنا عن المشى دون عناء، وبكاء وهجوم على الحاضر، ومحاولات الهروب من القادم»، وكأننا بذلك قد نسينا أو تناسينا شيئًا اسمه «الإرادة الفاعلة»، وهى التى تدفع مستخدميها للخطوة الأولى على طريق العرق، والجهد، والكفاح بعزيمة صادقة، وهمّة إيجابية وانتقاء الصالح من الطالح، والجيد من أنصاف الألوان، وغرور الإعلان ومصاحبة الجيران دون استخدام خبرة الأيام وأمثلة الكفاح والجهاد وتحقيق المراد مهما بلغ الجهد وسال العرق حتى وإن اختلط بالدم.
ومن يتابع نماذج النجاح والفلاح يُدرك أن نقطة تحقيق المراد ليست جاهزة على الأبواب أو يمكن شراؤها بالمال، أو بالدروع والسلاح والسطو على من جاهد من قبلنا، وحقق النجاح.
إن صاحب الإرادة القوية والخطة العملية، يدرك أنه أسقط من قاموسه الخوف، والفشل من الانسحاب والعودة من منتصف الطريق، فكل هذا من سمات المؤمن الواثق من نفسه وربه، وكذلك الجندى الأمين المخلص لوطنه، الساهر على حمايته، والمستعد للتضحية بدمه فى سبيل نصرته، وفى هذا المعنى يقول الشاعر أبوالقاسم الشابى:
إذا الشعب يومًا أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر.
ولا بد لليل أن ينجلى.. ولا بد للقيد أن ينكسر.
وهناك مقولة شهيرة للقائد الفرنسى نابليون بونابرت «١٧٦٩- ١٨٢١» تتلخص فى عبارة نُسبت إليه يقول فيها: «لا توجد كلمة مستحيل إلا فى قاموس الضعفاء».
وهذا مثل ألمانى تمت ترجمته يقول: «إن الإرادة الجيدة، تجعل للقدمين جناحين»، ويقابله بذات المعنى قول الشاعر أبوالطيب المتنبى: على قدر أهل العزم تأتى العزائم.. وتأتى على قدر الكرام المكارم.
تعظم فى عين الصغير صغارها.. وتصغر فى عين العظيم العظائم.
وهناك مثل يردده الصيادون يقول: «السمكة القوية وحدها القادرة على السباحة عكس التيار.. بينما أى سمكة ماتت فبسهولة تطفو على سطح الماء».. وفى مقولة للكاتب الراحل د. مصطفى محمود يقول فيها: «لا شىء فى الدنيا أكبر من الإرادة».
وهذا مثل أمريكى معناه: «لا تتحقق الأعمال بالتمنيات.. إنما الإرادة تصنع المعجزات.. والإرادة القوية تحقق المستحيلات.. وبالإرادة تتقارب المسافات».
وهناك مثل لكاتب غربى يقول فيه: «قوة الإرادة بالنسبة للعقل.. مثلها مثل رجل قوى أعمى، يحمل على كتفيه رجلًا كسيحًا يستطيع أن يرى».. أما آرثر شوبنهاور فيقول أيضًا: «ذوو النفوس الدنيئة يجدون لذة فى التفتيش عن أخطاء العظماء».. و«تذكر أن سرعة تقدمك لا تبدأ فى الزيادة إلا عندما تتخطَّى قمة التل».
وهناك مقولة طريفة، سأل الممكن المستحيل: أين تقيم؟.. فأجاب: «أقيم فى أحلام العاجزين».. ويقابله مثل إسبانى: «لا رأى لمن لا إرادة له».
أما من يفتشون فى نيات الآخرين لإحباط ابتكاراتهم، أو إفشال اجتهاداتهم، وكأنهم مفسرو أحلام، أو كأنهم مثل الذين وقعوا على كتاب لم يصدر، أو مقولة لم ترد، حتى يقتدوا إلى طريق غير ممهد، أو حتى لم يوجد بعد، والنتيجة تكون اضطرابًا وريبة وتعبًا للفكر وسوء النيات ثم التدلى إلى عالم من الأوزار، وفى النهاية يقف ذلك الحالم يقول: «بحثت طويلًا عن الخيط الذى شدنى إلى أسرار العمل، وكنت قرأتها مرات ومرات، وفى النهاية وصلت إلى القول العربى: «جميل أن يشمل معنى الرواية ثراءها الفكرى، وتتخذ مادتها من الحلم والخيال، حتى قيل لا توجد رواية عظيمة إن لم تكن شعرًا عربيًا تتشكل فى موضوع نفسى بالدرجة المقبولة من الفكر المنتظر، والخاتمة تقول مرحبًا بالمفكرين الواعين، كلماتهم دواء، وانتظارهم شفاء، ترنو أنظارهم إلى العلاء ومسيرتهم للحق بلا خوف وبعيدًا عن الرياء، فتلتقى هنا الأفكار وتتقارب الرؤى حتى لا تكون حاجة لمفسرى الأحلام ولا لمروجى الأوهام، حيث يبزغ فجر المعرفة ومعه يسطع نور الإدراك، ثم تلمع شمس الحرية والحق والعدل ويسود السلام.
ويبقى السؤال عالقًا ينتظر الجواب: هل هذا حلم أم خيال؟.. والرد السريع: لا، بل ممكن التحقيق إذا خلصت النيات، وقويت العزائم، واتحدت الروح والعزيمة معًا، والتف الجميع فى سفينة واحدة، فردت قلوعها لتغلب التيارات المعاكسة، والرياح الهائجة، والأصوات العالية وتحولت كل الجهود إلى العمل والإنتاج والأمانة والحب فى وجهة واحدة بهدف البناء والتعمير، وإن الغد لناظره قريب.