الدميم.. العقدة النفسية التى تحكم تميم البرغوثى
نحن فى حاجة دائمًا إلى الوقوف المتكرر أمام كائنات تتحرك فى وضح النهار، لا تخجل ولا تخشى من نفخ سمومها، والتعبير عن بغضها وحقدها وكراهيتها لمصر وشعبها ومؤسساتها.
تلك الكائنات مسمومة وطفيلية، والعجيب أنها تجد بيئتها التى تحتضنها وترعاها، فالمعروف عن الملوك أنهم يهوون تربية الأشياء الثمينة والكائنات النادرة، أما البراغيث.. فكيف ولماذا؟
فالبرغوث حشرة تهرسها بالأقدام أو بالأيدى، لا فائدة منها، لكن يبدو أن هناك من أعاد اكتشاف هذه الحشرة ليستفيد منها، ويطلقها على خصومه لتضايقهم وتزعجهم، أو هكذا يظنون أنها من الممكن أن تزعجهم، لكن الحقيقة أنها لا تضايقهم بقدر ما تدهشهم بحقارتها وخستها وقلة أصلها.
سألنا هنا منذ شهور وعلى نفس هذه الصفحات: لماذا يكره تميم البرغوثى مصر؟.. الإجابة كانت: الغل.
بالنسبة لتميم فإن مصر هى العدو الأول لبلاده، وبلاده كما هو معروف فلسطين، ورغم أنه يحمل الجنسية المصرية، فإنه يكنّ عداوة شديدة لمصر، البعض كان يفسرها بأنها مجرد خلاف مع النظام السياسى، وأنه معارض حر وشريف، ولكن يبدو أن الغشاوة التى كانت على العينين لدى البعض قد أزالها البرغوث تمامًا بمنشور كتبه، أمس الأول، على صفحته تعليقًا على إعلان الرئيس السيسى الجاهزية والاستعداد القتالى فى ليبيا للدفاع عن مصر وأمنها ضد الميليشيات المسلحة المدعومة من تركيا.
علّق تميم موجهًا كلامه للرئيس السيسى: «حارب إن شئت.. فسيصبّحك عدوك فى بيتك.. وسيكون عيدًا فى المشرقين والمغربين»، هكذا بكل بساطة يقولها ويعلنها أن العدو التركى سيحتل مصر وأن الأمر سيكون عيدًا لنا.
وهذا ليس عجيبًا، فالتطاول على مصر مستمر ودائم من هذه الحشرة، لكن هذه المرة كانت الخيانة علنية، ويبدو أنه لم يستطع كبح جماح سمومه، فكشف عنها، ولأنه أحس بأن لغته لم تسعفه هذه المرة وفضحت ما فى سريرته، فسرعان ما أزال المنشور، كأن شيئًا لم يكن.. منتهى البجاحة والنطاعة.
والغل الكامن فى قلب الدميم لمصر كان يظهر جليًا فى أشعاره، وله أسبابه، فيقول إن اتفاقية السلام المصرية هى التى فرّقت بين أمه المصرية رضوى عاشور وبين أبيه الفلسطينى مريد البرغوثى: «فرّقوه عنها علشان سالموا إسرائيل»، ويقول فى قصيدته «بيان عسكرى»: «نحاصَر من أخ أو من عدو، سنغلب وحدنا وسيندمان»، هكذا يرى مصر أنها تحاصر فلسطين، ووضعها فى نفس الكفة ونفس المصير مع إسرائيل، لدرجة أنه مع موجة المقاول الهارب، محمد على، خرج على قناة «الجزيرة» ليصف الجيش المصرى بالميليشيات.
ولا يترك البرغوث الفرصة فى أى مناسبة إلا ووضع يرقاته وأدلى بدلوه، وحرّض بلغته ضد كل الأنظمة العربية والحكام العرب، ما عدا قطر وأى شىء يتعلق بحسن نصرالله بالطبع، الذى وصفه فى إحدى قصائده بعنوان «سفينة نوح»: «أبايعكم يا سيدى وابن سيدى.. إذا كنتُ أهلًا أن تصافحكم يدى»، فهو يرى أن كل الثورات فى الوطن العربى أمر مشروع وحق بديهى، أما لو كانت فى سوريا أو لبنان، فى أى أرض تتحكم فيها جماعة حسن نصرالله، فهى بالتأكيد مشاهد تخريبية «تستغلها أطراف غير موثوقة»، على حد قوله.
ينشغل الدميم ووالده الفلسطينى أبًا عن جد بمصر أكثر مما ينشغلان بوطنهما المحتل، فمصر لم تتعرض لهما فى يوم من الأيام بأى سوء، بل أكل البرغوث من خيرها وعاش فيها وتعلم، وفى النهاية أنكر كل شىء.
والحقيقة أن كثيرين لا يفهمون مشكلة البرغوثى مع مصر، ولماذا يكنّ كل هذا العداء الصريح لها؟ فهو يتنكر لكونه إخوانيًا، وأنا أصدقه فى ذلك، فهو ليس إخوانيًا، وليس شرطًا أن تكون عضوًا فى التنظيم كى تكون إخوانيًا، فعبر التاريخ وجد الفصيل اليسارى أن نصفه الثانى وشريك الكفاح هو الطرف الإسلامجى، فاليسار دائمًا ما يجد هذا التناغم مع الإسلاميين نظرًا لأمور عديدة مشتركة بينهما.
والحقيقة أن هذا الخليط ممتد حتى فى جذور عائلته، فأمه رضوى عاشور، التى كانت تعتبر رمزًا للأدب اليسارى، هى ابنة خالة أيمن الظواهرى، زعيم تنظيم «القاعدة»، وكذلك الإخوانى رفاعة الطهطاوى الذى شغل منصب رئيس الديوان فى رئاسة الجمهورية فى عهد مرسى العياط، فلا عجب أن يخرج من هذا الدم طفيلى طريد بلا مأوى، بلا أرض، بلا هوية، نصفه مصرى ملوث ونصفه الآخر فلسطينى حاقد، ولفظته الأرضان، فمن الطبيعى أن يعمل مرتزقًا بالأجرة لمدح السلاطين والملوك الذين يُغدقون عليه بالمال، فظن نفسه المتنبى وظن الأمير الأرعن أنه سيف الدولة الحمدانى.
ونحن نقف أمام قبر الراحلة رضوى عاشور ونسألها: «هل ترضى عن وصف ابنها الجيش المصرى بأنه مجموعة من الميليشيات؟ هل ترضى رضوى الآن عن تحريضات ابنها ضد وطنها؟ هل نساء مصر عاهرات وراقصات يا رضوى؟.. كيف لرضوى الحرة أن يكون ابنك شاعرًا يغسل العار بقصائده؟ وينطق عهرًا مقابل حفنة دولارات والخدمة فى بلاط خامنئى وحسن نصرالله؟.. هل كنتِ ستهللين عندما تحتل تركيا مصر أو أى عدو خارجى؟ هل سيكون عيدًا بالنسبة لك؟».
السؤال الأهم الذى نسأله للراحلة: «كيف أنجبتِ وحملتِ كل هذه القسوة والغباء فى بطنك؟».
نعم الإجابة قالتها رضوى فى روايتها «ثلاثية غرناطة»: «فى الشباب قسوة.. فى الشباب غباء.. فى الشباب عيون لا ترى» ونزيد عليها، أن فى الشباب أقزامًا.. تعلّى قامتهم الأشعار والشعارات.