رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القضايا الحائرة بين الجنايات والمحاكم الاقتصادية

محكمة
محكمة

قضايا حائرة بين محاكم الجنايات والجنح من ناحية والمحاكم الاقتصادية من ناحية أخرى، خاصة بعد قرار تعديل اختصاص المحاكم الاقتصادية، ما جعل الجميع يتساءلون عن الأسباب وراء إحالة القضايا من دوائر الجنايات والجنح إلى المحاكم الاقتصادية، وفى هذا التقرير نستعرض أسباب إحالة تلك القضايا وأمثلة تمت إحالتها بالفعل لتنظر أمام المحاكم الاقتصادية.

قال محمد عزت المحامي بالنقض: إن المحكمة الاقتصادية أنشئت بموجب القانون ١٢٠ لسنة ٢٠٠٨، الذي حدد في المادة الرابعة منه الاختصاصات الجنائية لهذه المحاكم، وفي سبتمبر ٢٠١٩ صدر القانون رقم ١٤٦ لسنة ٢٠١٩ بتعديل بعض أحكام هذا القانون ومنه المادة الرابعة، وأضاف المشرع إلى اختصاصات المحكمة الجنائية الاقتصادية بعض الجرائم الواردة في تشريعات خاصة ومنها الجرائم الواردة بالقانون رقم ١٧٥ لسنة ٢٠١٨ الخاص بمكافحة جرائم تقنية المعلومات وكذلك الجرائم الواردة بقانون غسل الأموال رقم ٨٠ لسنة ٢٠٠٢ وتعديلاته.

واستهدف المشرع بإصداره لهذا القانون، حماية المقومات الاقتصادية للدولة بإنشاء محكمة متخصصة في المنازعات التي تؤثر في الحركة التجارية، فاهتم أصلا بالمنازعات ذات الطابع التجاري والفني، خاصة ما يتعلق بحماية سياسات الدولة النقدية، وقد يثور الخلط بين ما تختص به هذه المحاكم من جرائم وبين اختصاص المحاكم الجنائية العادية، فكانت المادة الرابعة هي المعيار الذي علي أساسه تتم الإحالة إلى المحكمة الاقتصادية، فحددت عدة تشريعات خاصة من ناحية الجرائم الواردة بها تختص بنظرها دون غيرها.

وأضاف عزت: قد انتشر استعمال وسائل التواصل الاجتماعي في المجتمع المصري بشكل رهيب، فأصبحت منصات للتعبير عن الرأي بصورة قد تخالف الدستور والقانون بل والقيم الاجتماعية، فضلا عن الدينين الإسلامي والمسيحي، بل واليهودي، فما قد يظهر علي تلك المواقع من فيديوهات وخطابات تُحرض على الفسق والفجور والأعمال المنافية للآداب والسباب والعنصرية وما يتم ترويجه من شائعات ومعلومات مغلوطة تؤثر سلبا في المجتمع وقد تخلق حالة عامة من السخط دون داع لها، وهي أمور قد تؤدي إلى عواقب لا تحمد أبدًا، فكان لزاما على المشرع التدخل لحماية الحريات الخاصة والعامة، بتنظيم استعمال تقنية المعلومات بما لا يمس الآخر بسوء، وانعقد الاختصاص بالجرائم الواردة بهذا القانون للمحكمة الاقتصادية دون غيرها، إلا إذا تجاوز الأمر لارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات فيعود الاختصاص هنا للأصل وهو المحكمة العادية، ولا تضارب هنا في الاختصاص فمتى كان هناك جناية تختص بها محكمة الجنايات العادية مقترنة بجريمة من جرائم قانون تقنية المعلومات، فالنيابة العامة الحق في نسخ صورة من الأوراق تخصص عن تلك الواقعة وتحال إلى المحكمة المختصة (الاقتصادية) على استقلال، أما إن كانت الجريمتان مرتبطتان وفقا لمفهوم المادة ٣٢ من قانون العقوباتظن أي أنهما مشروع إجرامي واحد، فتختص المحكمة الأعلى بنظر الواقعتين للارتباط وليس الاقتران وشتان الفارق.

واستكمل عزت: أما عن جريمة غسل الأموال فقد كان الأمر عند إصدار القانون في عام ٢٠٠٢ من اختصاص محكمة الجنايات العادية إلى أن تدخل المشرع بالقانون ١٤٦ لسنة ٢٠١٩، وأضاف إلى المحكمة الاقتصادية الاختصاص بالجرائم الواردة بهذا القانون، ونص على وجوب إحالة كافة الدعاوى المتداولة أمام القضاء العادي بالحالة التي هي عليها إلى محكمة الجنايات الاقتصادية، وبالحالة التي هي عليها -يقصد بها حالة الأوراق والمتهم- فلا تملك المحكمة عند الإحالة حبس متهم مفرج عنه أو الإفراج عن محبوس، ولا تقبل مستند جديد من متهم أو مدعي بالحق المدني، فبمجرد صدور هذا القانون غُلت يد المحكمة بقوته عن الدعوى وما فيها.

واختتم عزت: أخيرا فإن المحكمة الاقتصادية ومنذ أن تم إنشائها تعد من مقومات العدالة الرائدة في إنهاء المنازعات المؤثرة في اقتصاديات الدولة وسياستها النقدية المطلوبة، بل ومطلوب أيضا التوسع بعض الشئ في اختصاصاتها لتشمل الجرائم الواردة بقانون الجمارك رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣ لما فيه من أمور فنية ذات طابع إداري (الإجراءات الجمركية)، وكلما زاد التخصص زادت الإجادة فندعو المشرع بالتدخل باضافة الجرائم الواردة بهذا القانون إلى المحكمة الاقتصادية خاصة متى ارتبطت بجناية وهي في الغالب كذلك، لأن محكمة جنح الشئون المالية المختصة حاليا بالجرائم الجمركية تقف عند حد جرائم التهريب الجمركي وفي الغالب الأعم ترتبط هذه الجريمة بجرائم أخرى تخرج عن اختصاصها كالتزوير وتسهيل الاستيلاء على المال العام والإضرار العمدي به.