تجربة التنبلة الإجبارية
أكتب هذا المقال من محل إقامتي بمدينة ساحلية جميلة من مدن ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وقبل ظهور فيروس الكورونا كنا نخرج شبه يوميا للتنزه على شاطئ المحيط الهادي، حيث الهواء النقي، مع تميز الولاية بمناخ معتدل في الصيف كما في الشتاء. ونعرف من الدليل المناخي متي ستسقط الأمتار قبل حدوثها بنحو عشرة أيام مع تحديد الفترة الزمنية لسقوط المطر حتي نستخدم المظلات لتتلقي الامطار عنا، هذا بالطبع اذا كان من الضروري خروجنا من المنزل.
ومع احتلال هذا الفيروس المسمي كورونا تسعة عشر كان من الضرورة بحال أن نتجنب الخروج من الدار، ومن التسهيلات المتاحة إمكانية طلب ما تحتاجه الاسرة تليفونيا وسداد الثمن عبر التواصل، لاسيما وان اكبر سلاسل المحلات من أمثال محلات كوسكو يشترطون أن يكون عملاؤها أعضاء، ويسددون قيمة مشترواتهم من خلال ارقام بطاقاتهم. أما من يذهب بنفسه، فعليه ان يلتزم بمسافات التباعد في دخول المتجر وفي خروجه، بحيث يحافظ الجميع علي مسافات التباعد المعلن عنها.
أما اذا طلبت بعض الاحتياجات هاتفيًا دون ان تذهب فعليًا بشخصك إلى المتجر، فإنها تصل لطالبيها وتترك علي باب المسكن، مع مكالمة هاتفية تفيد ان ما طلب قد وضع امام بابكم.
وعودة الي المكروب المسمي كورونا، والذي حير العالم على مدى اكثر من اربعة اشهر حتى الآن، ولا ندري له نهاية، حتي انه انتشر في كل بقعة من العالم ليس فقط في عدد الدول التي يبلغ تعدادها نحو مائة وتسعون دولة، فقد تجاوز فيروس الكورونا حتي التجمعات السكانية البدائة والنائية، تخطى الجبال والمغاير فتجاوز عدد التواجد البشري الي مائتين وعشرة دولة وتجمع سكاني، ولا تزال الابحاث تجري علي قدم وساق، ولم يحدث الوصول الي اسلوب مقاومة هذا الفيروس والقضاء عليه بعد، وبلغت اعداد المصابين اكثر من ثلاثة ملايين انسان، منهم الشيوخ والشباب بل وحتي صغار الولدان رغم الإعلان سابقا انه لا يصيب الاطفال لكنه تجاوز ما قيل عنه من قبل.
لقد كان للولايات المتحدة الأمريكية وحدها النصيب الاكبر في الاصابات بما يزيد علي المليون من البشر، وبلوغ قرابة المائة الف قتيل لهذا المكروب، صحيح ان مساحات الولايات المتحدة شاسعة، فهي مع جارتها كندا تمثل قارة باكملها لكن هذا الميكروب لم تحده حدود برية او مائية أو حتي جوية.
نعم التاريخ شهد أوبئة وأمراضا مماثلة لهجمات كورونا وكان منها وباء عام ٤٣٠ قبل الميلاد، هاجم ذلك الوباء عبر ليبيا واثيوبيا ثم مصر واجتاح الى سائر المسكونة، وكانت ملامح ذلك الوباء الحمي والعطش وجفاف الحنجرة واللسان مع إحمرار كل الجلد.
كما عرف العالم وباء الطاعون الذي تفشي في فلسطين وبعض بلاد الشام وكان ذلك الوباء سببا في هزيمة نابليون بونابرت عند حصاره لمدينة عكا في بداية القرن التاسع عشر
وفي العقدين الاولين من القرن العشرين كان وباء الكوليرا الذي اودي بحياة مئات الالاف في البلاد العربية وبلاد الشام وعلي مرحلتين متباعدتين ما بين عام ١٩٠١ وعام ١٩١٣.
ومن ينسي وباء الانفلونزا الاسبانية والذي تزامن انتشاره مع نهاية الحرب العالمية الاولي سنة ١٩١٨ وسمي في حينه بالجرب وقضي ذلك الوباء علي ما يزيد علي ثلاثين مليون من البشر خلال ستة أشهر فقط في حين بلغ ضحايا الحرب علي مدار أربعة أعوام بلغ عدد ضحاياها ستة ملايين.
وعودة إلى الفيروس الحالي الذي يشار اليه بالحروف الانجليزية الثلاثة سي دي سي، وتحاول الولايات المتحدة السيطرة عليه، لكن هذا الفيروس اللعين لم ينج منه بشر أو بعض انواع من الحيوانات مثل الإبل والماشية والقطط والخفافيش، ومن تلك الحيوانات انتقل إلى البشر.
لقد بدأ هذا الوباء من ووهان بالصين ومن اسواق الحيوانات هناك، ثم الي البشر، ثم تجاوز الصين الي كل بقعة في العالم، ولا زالت هناك اقوال واتهامات حول سبل تسرب الميكروب الحالي الي كل بقعة في العالم، لم تمنعه حدود او سدود ولا حتي الانهار ولا البحار ولا المحيطات رغم اغلاق المطارات والحدود بين بلدان العالم، ولكن لا يزال الميكروب يسري سريان النار في الهشيم مما اثر سلبا علي الاقتصاد العالمي وعلي السياسة والامن والتعليم والطب وكل ركن في المسكونة والجميع يبتهل الي الله ان تزول الغمة وتنتهي كارثة هذا الوباء الذي لم تنجو منه دولة كبري أو نجع صغير، وحتي قصور الملوك وجحور الفئران، وداهم الخوف كل إنسان ولعله يطلق صافرة انتباه لكل البشر: اطلبوا مراحم الله فقد فشل الانسان ولم يبق الا رحمة الرحمان.