نظير عياد: الإرهابيون يستغلون العاطفة الدينية فى شحن المواطنين ضد الدولة (حوار)
جدد الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، تحذيره من استغلال التيارات الإرهابية «العاطفة الدينية» فى شحن المواطنين ضد القرارات التى اتخذتها الدولة لمواجهة فيروس «كورونا المستجد»، وعلى رأسها غلق المساجد ومنع إقامة صلاة الجماعات. وكشف «عياد»، فى حواره مع «الدستور»، عن أن جميع فتاوى المؤسسات الدينية فى مصر الصادرة بشأن «كورونا»، مثل الصوم فى ظل انتشار الوباء وضوابط دفن الميت بالمرض، لم تصدر إلا بعد الرجوع إلى المتخصصين من الأطباء وأساتذة الفيروسات والأمراض المعدية، معتبرًا أن الدين لا يتعارض مع العلم فى «الجوائح»، ويكون رأى الأطباء فيها مقدمًا على أى شىء.
■ جاء شهر رمضان هذا العام فى ظل ظروف استثنائية.. كيف ينظر أهل العلم والدين لجائحة «كورونا»؟
- رمضان هذا العام يختلف عن الأعوام السابقة، ويأتى فى ظروف استثنائية وقاسية، ليس على مصر فحسب، وإنما على البشرية بأكملها، بسبب هذه الجائحة التى اجتاحت البلاد والعباد، ويلزم للتعامل معها أمور متعددة وكثيرة، تعد من مقتضيات الدين والشريعة.
فينبغى علينا وضع الأمور فى نصابها الصحيح، خاصة إذا كانت المسألة تتعلق بالأنفس والأبدان، لأنه من بين مقاصد التشريع الإسلامى حفظ النفس الإنسانية، لذا قالوا إن «صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان».
وفى ظل هذه الجائحة يتردد الكثير من الأقاويل، منها الصحيح والكثير منها قد يكون بعيدًا عن الحق، لذلك ينبغى أن ننقل المعلومات عن مصادرها الأصلية، بالرجوع إلى أهل التخصص، وأخذ الأقوال عنهم والاستماع إليهم، وتنفيذ ما يوجهون به، وتجنب الشائعات الكاذبة والأقاويل الفاسدة التى ربما يلزم عنها فساد المجتمع.
■ هل «كورونا» غضب من الله؟
- هذا أمر يعلمه الله، سبحانه وتعالى، والإنسان موجود فى هذه الحياة ليجتهد ويأخذ بالأسباب، ويؤدى المهمة التى خُلق من أجلها، أما مسألة الثواب أو العقاب فهى فى علم الله، والناس يظنون أن الدين يخاطب العاطفة أو يؤثر فيها فحسب، والواقع أن الدين يوازن بين العاطفة والعقل، ولو نظرنا إلى صحيح الدين بشكل عام لوجدنا أن الدين هدفه الصلاح فى الدنيا والفلاح فى الآخرة.
ولا أظن أن الصلاح أو الفلاح يتحققان بإبراز جانب على آخر، بل لا بد من المواءمة بين الجانبين معًا، لهذا نجد أن القرآن كما خاطب العقل خاطب النفس الإنسانية، وكما خاطب الفكر خاطب الروح.
واستعمال العاطفة كثيرًا فى غير محلها أمر ربما يلجأ إليه من لم يتفقه فى الدين، وربما يستغل أصحاب التيارات الإرهابية العاطفة الدينية فى شحن المواطنين ضد قرارات الدولة فى مواجهة «كورونا».
ويبقى أن نقول إن الدين الذى يخاطب العقل والنفس هو الذى جعل من مقتضيات بقاء الدنيا والإنسان حفظ النفس والعقل، وهذه مقاصد وأهداف أساسية للشريعة الإسلامية.
■ البعض ادّعى وجود تعارض بين فتاوى المؤسسات الدينية ورأى الأطباء فى هذه الجائحة.. ما تعليقك؟
- إذا كنا نتحدث عن علاقة تربط بين الدين والصحة ومقاصد التشريع والحفاظ على النفس البشرية فعلينا تجنب الأقاويل الخاطئة ونقل المعلومات من غير أهلها فيما يتعلق بالعلم الشرعى، خاصة إذا كان هذا العلم يتعلق بحق الله، تبارك وتعالى، على العبد، وبالتالى ليس لنا أن نستمع إلى تلك الأصوات أو الاتجاهات التى تحاول فرض رأى بعينه بعيدًا عن اجتهادات العلماء وأهل التخصص.
على سبيل المثال، أصدر مجمع البحوث الإسلامية فتاوى تتعلق بالصوم فى رمضان، وكيفية دفن الميت المصاب بـ«كورونا»، ولم تأت هذه الفتاوى من فراغ، بل تمت دعوة المتخصصين فى أمراض متعددة، وممثلين عن منظمة الصحة العالمية، وأساتذة الفيروسات والأمراض المعدية قبل إصدارها.
هؤلاء جميعًا جلسوا فى اجتماعات مع أهل الدين، وتم الاتفاق على رأى بعينه، وصدرت الفتوى، وأقول ذلك لأن المجتمع الذى شرفنا الله، تبارك وتعالى، بالانتساب إليه «محافظ» وله أخلاقياته وعاداته وقيمه، ومن بين هذه القيم الالتزام بالدين.
وإجمالًا، الأصل فى الإسلام هو أخذ المعلومة من «المتخصصين»، مصداقًا لقول الله، سبحانه وتعالى: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، كما أن النبى، صلى الله عليه وسلم، علّمنا أن هناك أمورًا تؤخذ من أهل الخبرة والدراية والتجربة، والدين نفسه أشار إلى أنه لكل مقام مقال.
وإذا كنا نتحدث عن الجائحة الطبية مثل «كورونا»، فالكلام فيها للفقهاء بعد الاستماع إلى الأطباء والمتخصصين، فإذا قال الأطباء إن الصوم يؤدى إلى الهلاك فلا يمكن أن تصدر فتوى تخالف ذلك، لأن الفتوى إنما تأتى لتحقيق مراد الله، تبارك وتعالى، وتناسب الزمان والمكان، كما أنه إذا أُصيب أحد الأشخاص بـ«كورونا»، والطبيب أكد خطورة الصوم، نقول إن «الرخصة تقدم على العزيمة».
■ كيف يمكن للمواطن الاختيار بين بعض المسائل الفقهية التى تصدر فيها فتاوى متعددة؟
- نحن فى الأزهر الشريف نتكاتف ونعمل بتنسيق وتناغم تام، تحت قيادة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ولعل المتابع جيدًا يدرك أن الرأى الشرعى فى جائحة «كورونا» واحد، سواء الصادر عن مركز الفتوى أو هيئة كبار العلماء، أو مجمع البحوث الإسلامية من خلال لجانه المختلفة، خاصة لجنة البحوث الفقهية.
وربما تصدر الفتوى الواحدة عن جهات متعددة داخل المؤسسة الأزهرية، وفى هذه الحالة يمكن أخذها من باب تعدد الأدلة على شىء واحد، فإصدارها عن مجمع البحوث أو عن مركز الفتوى أو هيئة كبار العلماء لا يعنى أن كل قطاع من هذه القطاعات يعمل بمعزل عن الآخر، لأن الهدف الأول والأسمى بالنسبة لنا جميعًا هو الحرص على الالتزام بتوجيهات شيخ الأزهر الشريف.
■ ما رأيك فى تجدد الدعوات لفتح المساجد وأداء صلاة «التراويح»؟
- فتح المساجد وإقامة صلاة «التراويح» الرجوع فيهما يكون لأهل الاختصاص، والمقصود هنا بأهل الاختصاص هى الدولة، فإذا رأت أن صلوات الجماعة والتراويح تؤدى فى المساجد دون أن يقع إيذاء لأحد، فلنا أن نلتزم جميعًا، أما إذا كانت ترى أن فتحها يؤدى إلى مهالك أو مفاسد أو إلى آخره، فإننا ينبغى أن نوافقها الرأى، لأن هذه «أمانة».
وكما نعلم فإن الرئيس أو الحاكم أو الإمام وظيفته الأساسية هى الحراسة على أمر الدين والدنيا، وبالتالى هم الذين يقولون وما علينا إلا السمع، خاصة أننا أمام وباء خطير.