يفضلون الميلودراما وليس الخيال العلمي
لايمكننا أن ننسي مسلسلاتنا المصرية الكلاسيكية خاصة المييز منها بحبكة السيناريو والحوار سواء الأصلية أو المقتبسة عن نص روائي في حال استندت عليه أحداث وفكرة المسلسل، هذه الأعمال تكاد تخلو من الصور المبهرة ومستجدات الإخراج السينمائي في المسلسلات الحديثة، ولكنها اعتمدت على السيناريو والحوار الجيد والمُقنع للمتلقي، فكل شخصية من شخصيات ليالي الحلمية على سبيل المثال تليق بالممثل الذى لعب الدور فنازك السلحدار هانم من هوانم الليالي وكذلك جاردن سيتي، ومثلها الأعمال الجديدة فيما بعد مثل بدون ذكر أسماء وهذا المساء، أنه فقط للمثال وليس للحصر.
وهكذا نرى أن جميع الأعمال الدرامية المصرية تنبع من أصل المجتمع المصري بطبقاته وطوائفه وعاداته مما يعد سببًا من أسباب نجاح هذه الأعمال ومنها الذى لا يلقى قبولًا جماهيريًا لما تحويه الأحداث أو بعضها من التشبه بعادات غربية أو غير معتادة على المجتمع المصري والأفلام بالتبعية أيضا يتم الحكم عليها من هذا المنطلق.
بعيدا عن العادات الاجتماعية والاقتناع بها وتصديق الممثلين في أثناء أداء أدوارهم لما يلمسه الجمهور في الواقع من حوله فينتقل بسلاسة على الشاشة، كما نلجأ إلى تصديق أعمال الخارقون والسوبر مان وأفلام ودراما الخيال العلمي لأن الجمهور العربي والمصري مقتنع أن الغرب يملكون الروبوت والمراكب الفضائية ووكالات الفضاء والتكنولوجيا المتطورة عامة لكنه لا يقتنع بالأعمال المصرية المماثلة.
أتذكر في هذه الأثناء المخرج الكبير كمال الشيخ في آخر أفلامه 1987 بعنوان "قاهر الزمن" بطولة نور الشريف وجميل راتب وآثار الحكيم في فيلم قد صُنف أنه خيال علمي لما يقدمه من فكرة علمية عن تجميد الإنسان وهي فكرة مثارة في الأوساط العلمية منذ السبعينات بواسطة ماكس مور الذي اقتبس فكرة مشاريعه من مسلسل تلفزيوني عام 1972 بعنوان "انزلاق الزمن" وفيه أن بعض الأشخاص فقدوا طريقهم وسط الجليد وظلوا أحياء بعد أن تجمدوا.
فقدم الشيخ فيلمًا يتناول الفكرة نفسها لكن الفيلم نال الانتقادات والاتهامات النقدية من الصحافة التي كانت منتظرة أن يقدم الشيخ فيلمًا يحمل موضوع دراما اجتماعية، كما فشل جماهيريا لعدم تقبل الجمهور فكرة أن دكتور حليم جميل راتب نجح في اكتشافه الفذ في طريقة مبتكرة لتجميد الخلايا الحية والحفاظ عليها الي بعد مائة عام لكن نفس الجمهور يتقبل تجميد دافيد اميس توم كروز في فيلم فانيلا سكاي، بالإضافة إلى تدخلات الطائفة ذات الأفكار الوهابية المستحدثة على مصر في الثمانينات وهاجمت الفيلم وأكدت على حرمانيته رغم أن الطبيب كان واضحا في ذكر أن الله يحي ويميت وأنه فقط يقوم بالحفاظ على هذه الحياة.
السؤال الآن لماذا إصرار الجمهور على تصنيف كل ما هو ميلودراما وتراجيدي بأنه شيء ملموس يعيشونه ويرفضون كل ما هو خارج قناعاتهم ولا يتيحون فرصة التجريب، ربما غياب الثقافة السينمائية منذ الثمانينات وصولا لانعدامها بعد رحيل السينمائيين العظماء هو الذى أثر على خياله فأصبح محدودًا ورافضًا للتغيير والتجريب.