المحروسة فى زمن الـ«كورونا»
رفع فيروس كورونا وتحدياته القاتلة الغطاء عن الحقيقة المُرة لأوضاع بلدان كثيرة فى العالم، وكشف عن مدى هشاشة النظم الحاكمة لها، وضعف قدرتها على مواجهة تحديات هذه الأزمة، التى سيعانى العالم من توابعها، بعدما تُلقى بظلالها فى خلخلة النظام العالمى، اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، وترسم خريطة جديدة لعلاقاته الدولية وأنماط تحالفاته، والأهم من ذلك كله التحول الضخم فى موازين القوى الذى سيدفع بدول إلى صدارة المشهد العالمى، ويؤدى بأخرى، لأن تتسيد هذا المشهد الآن، إلى التراجع للخلف خطوات.
ويهمنا هنا مصر، التى أرى أنها ستخرج من هذه الأزمة، وقد ارتقت مكانتها العالمية وزادت قوتها الدولية.. إلا أن أهم أبرز إيجابيات «كورونا»، التى لم تنتظر انقشاع الغمة حتى تعلن عن نفسها، هو ذلك التغير الإيجابى فى نظرة المواطن المصرى لدولته، وإيمان الشباب بأنه لم يكن يفهم ما يحدث فى مصر منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم، ولكن أزمة «كورونا» وما سبقها فى عاصفة التنين، وضعت الأمور عند نصابها الحقيقى.. وذلك بيت القصيد.
جمعنى لقاء الجمعة بأحد أبنائى.. شاب شغوف بالقراءة والاطلاع، بوعى وشغف، يتابع الأحداث المحلية وأحوال العالم، وأزعم أننى أثق فى رؤيته وتحليلاته لبعض المواقف، يبعد فيها عن حمأة الشباب وتهوره، ويجنح ما استطاع إلى الموضوعية، بقدر ما يهديه عقله إليها ويحكمه ضميره.. وللحق أقول إنه تشغلنى الصورة التى يرى بها الشباب- بالذات- بلدهم، وما يجرى على أرضه، وكيف يرون مستقبله، فى ضوء فهمهم للواقع الحالى، وما يتوافر لهم من معلومات وحقائق.
قال ولدى إن ما مر على مصر خلال الشهور الأخيرة، غيّر كثيرًا فى طبيعة نظرة غالبية الشباب إلى منظومة الحكم فى مصر، وجعلهم أكثر ثقة فيمن يُسيّرون دفة البلاد نحو المستقبل، وفى أنهم يدفعون بها نحو الحق والخير والجمال، القيم الإنسانية الأساسية التى نحكم بها على ما نحن فيه وما نحن مُقبلون عليه.. كشفت هذه الشهور عن أن تفكيرًا علميًا استباقيًا، أصبح منهج الإدارة فى المحروسة، التى يحتل القلب منها المواطن، بعد أن أصبح مُؤمنًا فى صحته، وأن أمنه وأمانه هما الرهان الأكبر فيما تخوضه القيادة السياسية من تحديات، بغض النظر عن تكلفة تحقيق هذه المطالب الإنسانية.. كما أكد ذلك رأس الدولة، وسارت على نهجه الحكومة.
يرى الشباب الآن أن بلدهم بلغ شأوًا عظيمًا فى علاقاته الدولية، وأثبت قدرته ومكانته، باعتباره الفاعل فى هذه العلاقات وليس المفعول به.. سياسة دفعت العالم إلى احترامه وتقديره، كبلد صاحب حضارة وتاريخ عريق، يبنى نفسه من الصفر، وسجل فى تقارير الأداء العالمية أرقامًا غير مسبوقة، مثلما امتدح البنك الدولى أداء مصر فى الإصلاح الاقتصادى، مؤكدًا أن «كورونا» لن يعطل مسار التنمية بها، وأشار تقرير «مؤسسة فيتش للتصنيف الائتمانى» إلى التزام الحكومة باستكمال برنامج الإصلاح، وتنفيذ كل السياسات المالية والاقتصادية، مما يعزز مكانة مصر العالمية، وزيادة إنتاجية اقتصادها، وخلق المزيد من فرص العمل، ووضع نسبة الدين العام للناتج المحلى الإجمالى على مسار نزولى، بمستويات أقل، تتسم بالاستدامة. ويثق الشباب الآن فى أداء الشرطة المصرية، التى أمسكت بالبلاد فى زمن الـ«كورونا» بقبضة قوية، حافظت بها على صحة المواطن، بمنعه من التجوال فى أوقات الحظر، غير لاهية- فى نفس الوقت- عمّا يدور حولها من استغلال البعض مثل هذه الظروف التى نعيشها، للاستيلاء على أملاك الدولة والبناء المخالف، وغيرها من السلوكيات المنحرفة، التى ترى أن «مصائب قوم عند قوم فوائد».
أيقن الشباب أن القوات المسلحة، التى كانت نهبًا لأباطيل البعض، هى السند القوى والداعم الأمين للشعب المصرى.. فلولا ما أقدمت عليه من المشاركة فى توفير السلع التموينية إلى جانب دورها الكبير فى تعقيم المؤسسات والهيئات والشوارع، ومشاركتها فى الرعاية الصحية للمواطنين، لعانى المواطن الغلبان ولكان لقمة سائغة لجشع التجار، الذين بدا بعضهم وكأنهم تجار فى سوق النخاسة.. يتواكب ذلك مع قدرتها واستعدادها لحماية البلاد من أعداء الخارج، ومواجهة فلول الجماعات الضالة فى سيناء وغيرها، ولم تنس نصيبها من التسليح الحديث، وآخره تسلم غواصة جديدة من ألمانيا، إعدادًا للقوة فى مواجهة أى معتدٍ، يحاول الإضرار بمصالحها أو تهديد استقرارها.
تفتحت أعين الشباب لكى ترى، بنظرة مُغايرة، كل ما غام على بصيرته، من حقيقة مشروعات قومية وإصلاحات اقتصادية، كانت هى الأرض الصلبة التى وقفت عليها مصر فى مواجهة الأزمات الأخيرة، واستندت إلى بعض ثمارها فى مواجهة تداعيات هذه الأزمات.. وهنا أقول «بعض ثمارها»، لأن الحصاد الحقيقى لم يحن موعده بعد.. وقد صنع «بعض هذه الثمار» متانة للاقتصاد المصرى، أفقدت الدولار ربع قيمته فى مواجهة الجنيه، خلال فترة وجيزة منذ تعويمه.. وتستمر الإصلاحات تُلقى بالعديد من ثمارها عند أعتاب المواطن، الذى وجد أخيرًا يدًا حانية «تطبطب عليه»، فعلًا لا قولًا، وحاولت هذه اليد، قدر ما تستطيع، أن تجنبه ويلات تلك الأزمات، فى معيشته وصحته وقوت يومه، حتى إن البعض يتساءل: من أين لمصر كل هذه الإمكانيات التى تواجه بها التحديات، وعلى الجانب الآخر من العالم دول كنا نحسبها قوية مستقرة، فإذا بها هشة متداعية؟.. إنها «بعض ثمار» الإصلاح الذى قاده رئيس دولة، لم ينشغل إلا بالعمل والإنجاز، غير مُلتفت إلى حملات التشكيك والتهوين، وغير عابئ بما يناله من تقليل البعض حجم إنجازاته، لأنه يرى أن مصر تستحق أن تكون على قدر مكانتها، وجديرة بأن تكون الدولة القوية التى تحتل قلب العالم العربى، وبحياتها يحيا الآخرون.
وللمرة الأولى، أرى الشباب وقد اجتمع على الإيمان بأن رئيس الدولة المصرية قد أحسن اختيار حكومة برهنت على أنها على قدر المواقف، وعلى مستوى تحديات الأزمات، تعمل وفق منظومة متناغمة، تُكمل كل وزارة أختها، بعيدًا عن سياسة الجُزر المُنعزلة، التى سادت البلاد فيما مضى.. اكتشف الشباب أنهم إزاء رئيس دولة لم يكتف بالتقارير الرسمية التى تأتيه عمّا يتم فى الشارع، وما تم إنجازه من مشروعات وتكليفات، بل وجد رجل دولة ومسئولا عن أمة، لم يستنكف النزول إلى مواقع العمل، يطمئن على العمال بنفسه، كما يطمئن على دقة الإنجاز ومناسبته لمقتضى حاجات الناس وتحقيقه أمنياتهم فى بلدهم.
هذا الشباب نفسه، هو من يميط اللثام الآن عن بعض أسباب فهمهم الخاطئ- فيما سبق- لما يقوم به الرئيس وما تؤديه الحكومة، وافتقاده- أى الشباب- الرؤية الصحيحة لواقع البلاد، وما ستؤول إليه فى المستقبل.. يرى الشباب أن الإعلام لم يكن من القوة والمهنية والفهم لما يجرى، إلا بعضًا يسيرًا من رجاله، وبالتالى فشل فى توصيل الصورة الحقيقية عن النهضة التى تبنيها مصر، الآن وفى المستقبل.. وبالتالى، فقد بخس الرئيس وحكومته حقوقهما، فلم ينالا التقدير والاحترام المُستحقين من شعب المحروسة، على ما يُبذل فى سبيله من إنجازات، كانت يومًا مثل الأحلام.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.