الإدارية العليا تنصف أعضاء هيئة التدريس الجامعي في حكم قضائي
أصدرت المحكمة الإدارية العليا، حكما قضائيا لصالح أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية، يضع مفاهيم جديدة لماهية الطريقة غير اللائقة في مخاطبة العمداء ويضع حدا لاستغلال بعضهم في استبقاء الأبحاث العلمية لأعضاء هيئة التدريس في إدراج مكاتبهم دون عرضها على اللجنة العملية المختصة ويمنحهم الحق في شكواهم لرؤساء الجامعات بموضوعية دون عرض شكواهم على العمداء المشكو في حقهم والانصياع لرغبتهم في التنكيل بهم وحدود العلاقة بين الجميع.
حيث قضت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين سيد سلطان والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى وحسن محمود وأسامة حسنين نواب رئيس مجلس الدولة، بإلغاء قرار مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس جامعة قناة السويس بمعاقبة الدكتورة شيماء محمد عناني المدرس بقسم الميكروبيولجي والمناعة بكلية الصيدلة جامعة قناة السويس بالإسماعيلية، بعقوبة التنبيه وببراءتها من الاتهام المسند إليها.
وأكدت المحكمة على مجموعة من المبادئ التي تحكم العلاقة بين أعضاء هيئة التدريس والعمداء ورؤساء الجامعات بتحديد معيار ما يمكن اعتباره طريقة غير لائقة في الحق في الشكوى، وهو كل ما يخدش الذوق العام ويمس كرامة الأشخاص ويقلل من احترامهم، وأن عميد كلية الصيدلة استبقى أبحاث الطاعنة في مكتبه 10 أشهر وحينما اشتكته بموضوعية لرئيس الجامعة أحالها للعميد المشكو في حقه وانصاع رئيس الجامعة للعميد صاغيا، وأنها لجأت لرئيس الجامعة ونائبه وأمين عام المجلس الأعلى للجامعات ووزير التعليم ولم يعرها أحد اهتماما وفاض بها الكيل ونادت واستصرخت فلم تجد لها اَذانا تسمع لشكاياها وناشدت المحكمة الجامعات أن تُفسح صدرًا لكل شاكى وأن تُفرغ له صبرًا لسماع شكايته فأعضاء هيئة التدريس هم قوام عدة الجامعات وعلماؤها يجب السهر على خدمتهم بدلًا من التنكيل بهم وتعريضهم للتأديب ودفعهم إلى ساحات المحاكم استئداءً لحقوقهم المشروعة، وأنه على رؤساء الجامعات وعمداء الكليات ألا يتناسوا أنهم في البدء والنهاية هم أعضاء هيئة تدريس عزتهم من عزة أعضائها وشموخهم من شموخهم وأن تبوأهم هذه المناصب يفرض عليهم حماية هؤلاء الأعضاء الذين هم بهم ومعهم مطالبين بقطر عربة التقدم والتنمية للمجتمع الذى شرفهم بذلك.
وقالت المحكمة، إنه من حق الموظف العام أن يطعن في التصرف الإداري لرؤسائه بأوجه الطعن القانونية التي من بينها سوء استعمال السلطة أو الانحراف بها إلا أنه يجب أن يلتزم في هذا لشأن الحدود القانونية التي يقتضيها ضرورة الدفاع دون أن يجاوزها، ولا ريب أن القاضي التأديبي يزن العبارات الواردة في الشكوى في سياقها وظروفها مستهديا فيها إطار النظم القانونية والأعراف والتقاليد، ليقدر مدى خروجها عن الحدود الموضوعية لحق الشكوى، فإذا ما استبان له أنها عبارات ارتبطت بأصل شكواه دون تجريح أو إهانة يستصرخ فيها المسئول عن ظلمته فلا تثريب عليه وهي مسألة تقديرية تخضع لقاضي الموضوع.
وأضافت المحكمة، أن الأوراق كشفت عن أن الطاعنة تلقت اتصالا هاتفيا من مكتب عميد كلية الصيدلة في 2262016 يطلبها للحضور وعلى الفور توجهت لمكتبه، ثم طلب من السكرتارية عدم دخول أي أحد، وأضافت أنه أصر على قراره بعد قبول أورقاها المقدمة للترقية لدرجة أستاذ مساعد علما بأن هذا حقها منذ 2792015، وقام داخل الغرفة المغلقة بتهديدها في حال لجوئها إلى القضاء بأنه وقتها سوف ينفذ قرار المحكمة بقبول الأوراق، لكنه لن يعطي لها درجة النشاط والتي من المفترض يقيمها عليها القسم، كما أنه هددها بأنه لن يذكر في مكاتباته إلى اللجنة العلمية أنها حسنة السير والسلوك، واستطردت الطاعنة في شكواها أنه أشار لكونه عميد الكلية بيده كل شئ بأن هددها بإحالتها إلى الشؤن القانونية وأنه طلب منها تقديم استقالتها دون إبداء الأسباب ثم اختتمت شكواها لرئيس الجامعة بإحاطته علما بما دار بينها وبين عميد الكلية في ذلك اليوم، وطلبت من رئيس الجامعة في نهاية شكواها حمايتها من أي تهديدات لعميد الكلية لها دون أي ذنب اقترفته، فما كان من رئيس الجامعة إلا إحالة شكواها لعميد الكلية الذي كتب لرئيس الجامعة بضرورة إحالتها للتحقيق ثم لمجلس التأديب ثم عقوبة التنبيه بحجة أنها خاطبت العميد بطريقة غير لائقة وخرجت على التقاليد الجامعية.
وأوضحت المحكمة، أن شكوى الطاعنة فور وصولها لرئيس الجامعة لم ير فيها ثمة خروج على الحدود الموضوعية لحق الشكوى واَيته أنه أرسل الشكوى لعميد الكلية حتى يتبين له الحقيقة، إلا أن عميد الكلية بدلا من أن يرد على أصل شكواها ولب فحواها المتعلقة بامتناعه دون وجه حق عن قبول أوراق ترقيتها لدرجة أستاذ مساعد أرسل ردا إلى رئيس الجامعة يطلب فيه إحالتها للتحقيق وهو ما امتثل له رئيس الجامعة صاغيًا لرغبة عميد الكلية دون أن يزن جوهر الشكوى والرد عليها في ميزان الحق والعدل في ضوء شكاياتها، والتي لم ينهض بفحصها- فأحالها للتحقيق الذي أقرت فيه بجوهر شكواها بتعنت العميد معها وامتناعه عن قبول أوراق ترقيتها لأستاذ مساعد، فراح هو الأخر في ذات الاتجاه وطلب من الشاكية شهودا على واقعة أقرت الشاكية أنها كانت بينها وبين الشاكي داخل الجدران المغلقة بمكتبه، ولم يحقق في أصل حق الشكوى شيئا يُذكر، ومن ثم فإن إحالة الطاعنة للتحقيق إنما هو وليد رغبة شخصية من عميد الكلية لتجرؤ الطاعنة على تقديم شكواها ضده، وليس وليد إرادة جامعية خالصة كشف النقاب عنها خطاب العميد لرئيس الجامعة، الأمر الذى يكون معه القرار المطعون فيه جاء متنكبًا وجه الحق والعدل.
وأوضحت المحكمة، أن الطاعنة أقرت بأنها استوفت سائر شروط التقدم للترقية بأوراقها للترقية لدرجة أستاذ مساعد منذ تاريخ 2792015 قبل الموعد المحدد بثلاثة أشهر طبقًا للقانون، وقام رئيس القسم بالتوقيع على الأوراق وعند ورود الأوراق إلي عميد الكلية رفض التوقيع، وقد كانت في ذلك الوقت خارج البلاد لمرافقة زوجها وطلب إرجاء استلام الأوراق إلى حين استلامها العمل، وقد عادت بالفعل واستلمت العمل بتاريخ 2642016 ومنذ ذلك الوقت وهو يرفض إرسال الأوراق إلى اللجنة العلمية واستبقاها بمكتبه، وتقدمت بعدة تظلمات في هذا الشأن إلى رئيس الجامعة ونائبه للدراسات العليا وأمين المجلس الأعلى للجامعات ووزير التعليم العالي، ورددت ما جاء بأصل شكواها ولم يعرها أحد اهتماما، ومن ثم فإن الطاعنة لم تخالف الأعراف والتقاليد الجامعية ولم تتجاوز حق الشكوى وإنما فاض بها الكيل ونادت واستصرخت فلم تجد لها اَذانا تسمع لشكاياها، وبهذه المثابة فإن الطاعنة لم تقترف ذنبًا إداريًا يستوجب المساءلة التأديبية، ويغدو القرار المطعون فيه الصادر من مجلس التأديب بمعاقبتها بعقوبة التنبيه مخالفًا لحكم القانون ويتعين القضاء بإلغائه، وببراءة الطاعنة من الاتهام المسند إليها.
واختتمت المحكمة، أنها من مقامها تناشد الجامعة وهي تدير أمورها العلمية والإدارية وكذلك كلياتها أن تُفسح صدرًا لكل شاكى وأن تُفرغ له صبرًا لسماع شكايته وتحقيقها وتقصي مدى سلامتها وصحتها، وأن ترفع الظلم عمن ظُلم وترد إليه حقه، سيما إذا تعلق بأعضاء هيئة التدريس الذين هم قوام عدتها وعلماؤها التي يجب السهر على خدمتهم وتوفير سبل البحث العلمي لهم حتى يفرغوا لمهمتهم الأساسية التي ناط بهم قانون تنظيم الجامعات، بدلًا من التنكيل بهم وتعريضهم لإجراءات المحاكمة التأديبية ودفعهم إلى ساحات المحاكم استئداءً لحقوقهم المشروعة، وعلى رئيس الجامعة وعمداء الكليات ألا يتناسوا أنهم في البدء والنهاية هم أعضاء هيئة تدريس عزتهم من عزة أعضائها وشموخهم من شموخهم، وأن تبوأهم هذه المناصب يفرض عليهم حماية هؤلاء الأعضاء الذين هم بهم ومعهم مطالبين بقطر عربة التقدم والتطور والتنمية للمجتمع الذي شرفهم بذلك.