علاج الأدباء بين الوهم والحقيقة
من آنٍ لآخر تثار مشكلة علاج المثقفين والأدباء، خصوصًا عندما يتعرض أحدهم لموقف صعب بسبب مرض مزمن أو موقف صحى طارئ. حدث هذا فى حالة الشاعر الجنوبى محمود مغربى، والشاعر عبدالناصر علام، والشاعر رفعت سلام، والناقد عبدالجواد خفاجى، الذى داهمته نوبة قلبية أثناء وجوده فى القاهرة.
مما لا شك فيه أنه موقف صعب، تجد أسرة الأديب نفسها فيه، والأصعب أن المستشفيات الحكومية غير مجهزة لاستقبال الحالات العاجلة، التى تتطلب تدخلًا طبيًا سريعًا ودقيقًا.
وفى كل مرة يتعرض فيها أديب لهذا الموقف تثار مسألة العلاج، وهو ما يجعل البحث فى تلك المسألة صعبًا وقاسيًا. عندما نتحدث عن علاج الأدباء نضع فى اعتبارنا خمسة أمور، تتمحور حولها الأمور كلها وهى:
أولًا: أن أعدادًا كثيرة من المثقفين والأدباء حاصلون على عضوية نقابات أخرى، مثل النقابات الفنية والمعلمين والصحفيين والأطباء والمهندسين والزراعيين والتجاريين، وغيرها من النقابات المهنية، وهى توفر علاجًا لأعضائها، كل نقابة حسب حجمها، ولا يوجد تنسيق بين اتحاد الكتاب وغيره من تلك النقابات التى يشترك الأدباء فى عضويتها.
ثانيًا: أن غالبية المثقفين والأدباء يعملون فى وظائف حكومية أو غير حكومية تشملها مظلة التأمين الصحى الحكومى، أو أنظمة ومظلات أخرى للتأمين الصحى. وأيضًا لا يوجد تنسيق بين الاتحاد وهيئة التأمين الصحى. كما أن بعض الجهات التى يعمل بها الأدباء توفر رعاية طبية، مثل الجامعات والهيئات القضائية والدبلوماسية.
ثالثًا: أن هناك بالفعل أعدادًا من أعضاء اتحاد الكُتّاب لا تشملهم أى مظلة تأمين أو علاج، وهم الأولى برعاية الاتحاد. كما أنهم لا يتقاضون معاشات، وليس لهم معاش سوى معاش اتحاد الكُتّاب، وهو معاش ضئيل لا يذكر، وهؤلاء يمكن أن ينشئ لهم اتحاد الكُتّاب مظلة علاج يتحمل جزءًا كبيرًا منها.
رابعًا: أن أعضاء الاتحاد منتشرون فى معظم أنحاء مصر من كل المحافظات، وبعضهم فى أماكن تبعد عن فروع الاتحاد الإقليمية مسافات بعيدة تصل إلى مائة كيلومتر، وهو ما يجعل وصول العضو لتلقى العلاج أمرًا عسيرًا، وهو ما يشكل صعوبة فى توفير مظلة الرعاية السريعة لهم.
خامسًا: معظم نظم العلاج الموجودة فى مصر يضع سقفًا للعلاج، وهو الحد الأقصى للمبالغ المالية التى تنفقها الجهة التى تقدم العلاج، وهى تتوقف على عدد الأعضاء المشتركين فى مظلة العلاج وقيمة المبلغ المخصوم من العضو.
والمعروف أن فكرة التأمين الصحى تعتمد على فكرة التكافل العام بين الموظفين جميعًا، سواء المرضى أو الأصحاء، ويخصم من الأصحاء والمرضى على السواء لعلاج المرضى، وعلى ذلك فإننى أناشد وزارة الثقافة أن تخصص مبلغًا من المال لمواجهة الحالات الطارئة التى يتعرض لها الأدباء، وأن تضع الوزارة المعايير التى يستفيد منها الأدباء ممن لا تتوافر لهم أنظمة علاج أو مرتبات ودخل ثابت يكفى لعلاجهم. وأن تضع هذا المبلغ تحت تصرف مستشفيات القوات المسلحة أو الشرطة، وأن تتولى الوزارة تنسيق هذا الأمر.
ميزانية العلاج فى اتحاد الكُتّاب لا يمكنها تدارك متطلبات العلاج لكل أعضائها، ولا أحد ينكر أن معظم المستفيدين من نظام العلاج يتركزون فى القاهرة الكبرى، أو المحافظات القريبة منها، كما أن الأجهزة التعويضية يخصص لها مبلغ محدد، ويتحمل العضو المستفيد باقى قيمة الجهاز. كما يقوم الاتحاد بوضع سقف معين ثابت ومتساوٍ لكل الحالات، وبالطبع لا يغطى كل نفقات العلاج.
لأجل هذا يجب على الدولة تدعيم ميزانية الاتحاد، أو توافق وزارة الثقافة على تنسيق الحالات التى تحتاج لعلاج على نفقة الدولة.