صاحبى يعود إلى حضن المحروسة
الفرق بين معرفة الإنسان طريق الحق والبعد عن الباطل، يكمن فى إدراكه الحقيقة المجردة، ويقينه فى النوايا الصالحة عند من حوله تجاه أى قضية، وتصديقه لها ولهم، باعتبارهم الفاعلين على تبنى القضية والقيام بأعبائها.. وقضية الوطن، هى الأكبر فى كل أمة والأهم على ما عداها.. وفى مصر، تعرض الوطن لكثير من التشويه، والعبث المتعمد بعقول الناس، بغية دفعهم لسلوك طريق مناهض لما يسعى إليه أولو الأمر، من رفعة الأمة وعلو شأنها.. وهى مسألة نجح الإخوان، لفترة، فى تشويه الإنجازات فى عقول البعض، بمحاولاتهم طمس الحقائق، ونشر أكاذيبهم بين الناس، لعلهم يستطيعون أن يتسللوا إلى الحكم، فلما تحقق لهم ما أرادوا، فى عام «الرمادة» المصرى، بالغوا فى أكاذيبهم، وحاولوا أن تتسيد ضلالاتهم ما عداها من حقائق على الأرض، إلا أن الغالبية كانت لهم بالمرصاد، وبرهنت جهود المخلصين للمحروسة على كذب هذه الضلالات، فانصرف العالم عن الإخوان، وعاد البعض من أبناء مصر إلى رشدهم، عندما انكشفت حقيقة ما كانوا يزيفون، وتعرى ما صوروه للدنيا، أن ما حدث فى ٣٠ يونيو لم يكن ثورة شعب، أراد التخلص من ربقة عبودية الإخوان، وتوق أمة لاسترداد أرضها وعرضها وكرامتها.
ذلك باختصار، ما حدث لرجل مصرفى، أعرفه منذ كنا طالبين فى الجامعة.. قويم السلوك، ليس له من هم إلا أن يحيا حياة طيبة، ينعم فيها بثمار جهده ونتاج عطائه، وهو ما تحقق له بدأب منه.. ولكن المفاجأة التى أزعجتنى، هو ذلك الانحراف الفكرى الذى سيطر على عقله، وانحيازه الذى بات واضحًا لجماعة الإخوان، عشية إطاحة الشعب المصرى بحكمهم.. وربما كان ذلك سببًا جوهريًا، فى بعدى عنه، رفضًا منى لما ران على أفكاره من تشويه، حاولت بكل جهدى دفعه عنه والبعد به عن ذلك الزيف، لكننا اصطدمنا ولم نتفق.. إلى أن قابلته مؤخرًا، خلال زيارتى مريضًا كان هو عنده، فإذا به يفاجئنى بقوله: «هل تتخيل أن الرئيس السيسى حقق معجزة اقتصادية كبيرة فى مصر، حققت سيطرة على سعر صرف الدولار، وأصلحت كثيرًا من اقتصاد مصر»!.. أجبته: هذا يقينى وما أؤمن به.. فما الذى دفعك لقول ما قلت، وأنت الذى كنت ترى فى الرئيس كل ما يسوء؟.. ما الذى بدّل أفكارك؟.. فزادنى من الاندهاش اندهاشًا: تعرف يعنى إيه أكثر من ثمانية آلاف مصنع تعود آلاتها إلى الدوران، وترتد الحياة لنحو ٣٣٧ ألف عامل؟.. يعنى أن هناك رجلًا جعل الإنسان المصرى مبلغ همه وموطن تفكيره، رجلًا يعلم أن مستقبل هذا البلد فى الصناعة، وأن الاقتصاد العفى يصنع دولة قوية ويخلق مواطنًا كريمًا.. وذلك ما غاب عن عقلى وغام أمام ناظرى، لم ألحظه أو ألتفت إليه، إلا حينما عشت جانبًا منه.
وراح الرجل يروى لى ما كان من أمره، حينما خرج إلى المعاش منذ عام، وجلس فى منزله، بعد أن كان نائبًا لمدير فرع أحد البنوك الخاصة.. وإذا بأصحاب مصنع خاص، كان هو المفوض من البنك- خلال عمله- فى حل أزمة سابقة له، يطلبون منه العمل معهم، عضوًا منتدبًا لمصنعهم، الذى يعانى من تعثر شديد.. فلما تسلم عمله، راح يجمع ما تسمح به ظروف منشأتهم من أموال للنهوض بمعدات هذا المصنع، لعل منتجاته تصل إلى حد المنافسة فى السوق، لكن الديون المتراكمة بفوائدها لعدد من البنوك تهدد هذا الاتجاه نحو النهوض من العثرة.. ووقع الجميع بين فكى الضرورة المُلحة للتطوير، وأهمية سداد بعض الديون، لأن سيف القضايا المرفوعة عليهم لن يرحم.. إلى أن جاءت النجدة، وكأنها مطر انهمر من السماء، على أرض عطشى، كاد الجفاف أن يقتلها.. جاءت مبادرة الرئيس السيسى الذى وجه وزراء المجموعة الاقتصادية باتخاذ إجراءات فورية تدعم المصانع والشركات والأشخاص الاعتبارية المتعثرة بسبب الأضرار الجسيمة التى لحقت بنشاطها جراء الانفلات الأمنى خلال ٢٠١١، وما سببته الوقفات الاحتجاجية من العاملين بالقطاعات المختلفة، وأسفرت عن إهدار سمعة تلك الشركات والمصانع، سواء بالسوق المحلية أو بفقدان الأسواق الخارجية وفرص التصدير، مما أدى إلى تسريح أعداد هائلة من العمالة.. زد على ذلك- يستمر صاحبى فى الحديث- أن الرئيس وجه باتخاذ إجراءات تدعم تلك الكيانات الاقتصادية وتُمكنها من استعادة ممارسة نشاطها، بما فى ذلك الاتفاق مع البنوك لإعادة تشغيل المصانع المتوقفة بكامل طاقتها، وتوفير التمويل اللازم لمستلزمات الإنتاج من خلال مبادرات البنك المركزى ذات الفائدة المنخفضة على الإقراض، بالإضافة إلى رفع الإجراءات الحكومية التى كانت ضد تلك الشركات وتخفيف الأعباء البنكية عليها.
المهم يا صديقى- يواصل حديثه- أننا دُعينا إلى اجتماع فى البنك المركزى، برئاسة المحافظ طارق عامر، وبحضور ممثلى البنوك الدائنة لنا، جلس المحافظ فيه حكمًا بين المتخاصمين، يقرر بينهم ما أوصى الرئيس باتخاذه من إجراءات، تعيد الحياة إلى مثل هذه الشركة.. فخرجنا من الاجتماع وقد تم إسقاط كامل الفوائد المترتبة على ديون مصنعنا، والاتفاق على سداد أصل الدين فقط، إن لم يكن أقل.. وهو ما مكننا أن نبدأ ما كنا نطمح إليه من تطوير، لأن الواجب سداده أصبح فى مقدورنا، وما بين أيدينا من أموال يسمح به، ويتبقى لدينا ما يمكننا من الانطلاق نحو خطتنا للتطوير.. وهنا سألته: هل يمثل ما حدث حالة خاصة مع مصنعكم؟، قال: لا.. كانت هناك اجتماعات مع ١٧٦ شركة، حتى تاريخ حديثى معك، تمت تسوية مديونياتها مع البنوك بمبلغ ٤٨.٥ مليار جنيه، قامت البنوك بالتنازل عن فوائد بقيمة ١٥.٩ مليار جنيه، وتم إيقاف وإلغاء قضايا عن ٩١ شركة، والاتفاق على ضخ تمويل جديد لتشغيل ورفع الطاقة التشغيلية لـ٧٨ مصنعًا.
هذا كله لا يمثل فائدة منفردة للشركات والمصانع المتعثرة، بل إن قرار البنك المركزى المصرى بإعفاء العملاء المتعثرين من كامل الفوائد المتراكمة وغير المسددة سيكون إيجابيًا أيضًا على البنوك خلال الفترة المقبلة، لأن ذلك القرار سيساعد البنوك على تحصيل الديون المتعثرة من الشركات والمصانع، وهو ما سيعمل على إنعاش الاقتصاد المصرى خلال الفترة الراهنة، لأنه سيساعد المصانع المتعثرة على العمل دون ضغوط، فى ظل أجواء تهدف إلى النهوض بمنظومة الصناعة فى مصر.. تسديد المديونية على مستوى الـبنوك الثمانية، محل القروض، سيكون له مردود إيجابى على محفظة الائتمان بها، كما أنه سيحسن مركزها المالى عند إعادة تشغيل مبالغ المديونية.. وإذا عدنا للعميل المتعثر ثانية، فإنه يستفيد من تسديد المديونية بدون الفوائد كما قلنا، وسيتم حذفه من القائمة السلبية لدى البنك المركزى، وذلك يعطيه قوة فى السوق، ويمنحه المصداقية اللازمة لأى تعاقدات.
عطفت بصاحبى صوب الإنجازات الأخرى للرئيس عبدالفتاح السيسى، وهل يرى فيها ما رآه فى قضية الديون المتعثرة للمصانع والشركات؟.. فإذا به يدهشنى اندهاشة جديدة، بإشادته بالمستوى الذى باتت عليه الطرق فى مصر، تلك التى وفرت عليه أكثر من ساعة، حينما يسافر إلى بورسعيد، حيث أهله وأقاربه، وما يتوفر عليها من شروط الأمن والسلامة، ومطابقتها المواصفات العالمية فى إنشاء الطرق.. ليس ذلك فحسب.. فهو يرى أن الرئيس الذى تدمع عيناه، هو رجل ممن يودون ألا تمسهم النار، فالعين التى تدمع، دلالة على خشية الله فى المواطن الذى رأى فى عهده مسكنًا آدميًا، يؤويه وأهله فى طمأنينة وسكينة، بعدما كانوا تحت الخطر دائمًا، المواطن الذى حفظ له الرئيس كرامته، وكفلته الدولة ببرامج الرعاية الاجتماعية، ثم هو المواطن الذى وجد من يهتم بصحته، ويبحث له عمن يحقق له عافيته، ببرامج صحية متتالية، تحميه من غائلة المرض.. وكثير مما لا يمكن حصره الآن. هكذا ختم كلامه معى.. ولم أجد ما أقوله لصديقى الذى عاد بعد غياب إلا: حمدًا لله على سلامتك يا صاحبى.. عود حميد إلى حضن المحروسة.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.