«نجاة وأم كلثوم».. قصص حب كتبت بالدموع والموسيقى
"كتروا من الحب تلاقوا تلاقوا.. تلاقوا في الظلمة ألف قمر.. بنحب ياناس نكدب لو قلنا مابنحبش.. بنحب ياناس.. ولا حدش في الدنيا ماحبش.. والدنيا ياناس من غير الحب ماتنحبش.. من غير الحب ماتنحبش"، هذه الكلمات واحدة من الروائع التي غنتها الفنانة الجزائرية وردة وكلمات الشاعر الكبير مرسي جميل عزيز تصف فيه الحب إلا أن بعض من عاشوا هذه التجارب من الفنانين لم تكتمل قصصهم بهذه الطريقة بل أصبح الحب طريقهم إلي الدمار.
"كامل الشناوي ونجاة"
"بحر الحياة مليان بغرقى الحياة، صرخت دخل الموج ف حلقي ملاه، قارب نجاة، صرخت! قالو مفيش غير بس هو الحب قارب نجاة"، مقوله خالدة للشاعر الكبير صلاح جاهين كان بطلها الشاعر الكبيرة كامل الشناوي الأليمة في كتابه الشهير "شخصيات لا تنسى"، وقال الكاتب الكبير مصطفى أمين: "عشت مع كامل الشناوي حبه الكبير، وهو الحب الذي أبكاه وأضناه وحطمه وقتله في آخر الأمر، أعطى كامل لهذه المرأة كل شيء المجد والشهرة والشعر ولم تعطه شيئا أحبها فخدعته أخلص لها فخانته جعلها ملكة فجعلته أضحوكة".
مصطفى أمين كشف في كتابه أيضا عن أن القصيدة الشهيرة "لا تكذبي" التي غناها كلا من موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، ونجحت نجاحا كبيرا بصوت نجاة الصغيرة، كتبها الشاعر الراحل من واقع قصة حبه للمطربة الرقيقة، وكان يحدث فيها حبيبته.
وصف مشاعر الشناوي أثناء كتابة هذه القصيدة قائلا: "كتب قصيدة (لا تكذبي) في غرفة مكتبي بشقتي في الزمالك، وهي قصيدة ليس فيها مبالغة أو خيال، وكان كامل ينظمها وهو يبكي، كانت دموعه تختلط بالكلمات فتطمسها، وكان يتأوه كرجل ينزف منه الروم العزيز وهو ينظم، وبعد أن انتهى من نظمها قال إنه يريد أن يقرأ القصيدة على المطربة بالتليفون".
كامل بالفعل اتصل بالمطربة التي عشقها، ووصف مصطفى هذه المكالمة قائلا: "بدأ كامل يلقي القصيدة بصوت منتحب خافت، تتخلله الزفرات والعبرات والتنهدات والآهات، ما كان يقطع القلوب، وكانت المطربة صامته لا تقول شيئا، ولا تعلق ولا تقاطع ولا تعترض، وبعد أن انتهى كامل من إلقاء القصيدة قالت المطربة كويسة قوي تنفع أغنية، لازم أغنيها".
الشاعر الرقيق ذو الجسم الضخم لم ييأس من حبه، بل إنه ظل يحاول التقرب منها، وهذا ما أوضحه مصطفى بقوله: "كان كامل يحاول بأي طريقه أن يعود إليها يمدحها ويشتمها، يركع أمامها ويدوسها بقدميه، يعبدها ويلعنها، وكانت تجد متعة في أن تعبث به، يوما تبتسم ويوما تعبس، ساعة تقبل عليه وساعة تهرب منه، تطلبه في التليفون في الصباح، ثم تنكر نفسها منه في المساء، صد المطربة لحب الشناوي كان يمثل أمرا صعبا عليه، ولم يرغب في تصديقه"، حتى أن مصطفى أمين كتب أن كامل كان يقول: "لا أفهمها، فهي امرأة غامضة لا أعرف هل هي تحبني أم تكرهني..؟، هل تريد أن تحييني أم تقتلني؟".
لعنة الحب الفاشل أصابت الشاعر، حتى أنه كان يشعر أن هجرة محبوبته قتلته، ولم يبق سوى موعد تشييع الجنازة، وكان يجلس يوميا يكتب عن عذابه، وأصبح يتردد على المقابر، وحينما سأله مصطفى أمين عن ذلك، أجابه بابتسامه حزينة وقال: "أريد أن أتعود على الجو الذي سأبقى فيه إلى الأبد".
جراح الحب الأليم ظلت تنزف في قلب كامل الشناوي الذي ظل مخلصا لجرحه رغم العذاب الذي كان يشعر به، حتى قيل إنه مات مكتئبا في 30 نوفمبر 1965،
وكانت آخر كلماته قبل أن يعانقه الموت يصف من خلالها حياته، التي لم يعد فيها ما يستحق الاهتمام بعد حب نجاة سوى الموت، قال فيها الشاعر الكبير: "ولكن أيامي اليوم قليلة، وانتزاع عام منها يشعرني بالفقر والفراغ والعدم فمنذ تجاوزت الأربعين وحدي، كما تجاوزت ما قبلها، لا صحة ولا مال ولا زوجة ولا ولد ولا صديق، ولكن علام نبكي الحياة، وماذا لو رحلت عنا أو رحلنا عنها، ما دام الرحيل هو الغاية والهدف".
"القصبجي وأم كلثوم"
ظل جالسا خلفها لمدة 43 عاما حتى أيامه الأخيرة لم يبخل عليها يومًا بموسيقاه التي كانت أحد أهم أسباب شهرتها، في علاقته بأم كلقوم كانت عمل وفن تطورت لحب من طرف واحد، إذ كانت ترفض أن تكون علاقتها به علاقة حب وتبقيها عمل فقط، لكن القصبجي كان يحبها في صمت ويغار عليها وترك التلحين، مفضلا أن يعمل عازفا للعود في فرقتها ليظل بجانبها وبالقرب منها حتى بعد زواجها".
ظلت العلاقة على خير ما يرام بين القصبجي وأم كلثوم حتى شعر بتجاهل "كوكب الشرق" له ولألحانه، وتفضيلها لألحان رياض السنباطي ومحمد الموجي، وكان ذلك يسبب جرحا كبيرا له، إلا أنه لم يشكُ ولم يعلن تبرمه أو غضبه، بل نزل على رأي أم كلثوم ونصحها بالاستعانة بألحان السنباطي والموجي، مقررا الانسحاب من حياتها كملحن على أن يبقى عازفا في فرقتها لآخر يوم في عمره.
طوال رحلته معها كان القصبجي يحب أم كلثوم بالفعل، ويغار عليها، فضحته خطاباته لها، فعندما سافرت للعلاج خارج مصر كان يكتب لها متلهفا عاشقا مشتاقا لسماع أخبار جيدة عن صحتها، وقائلا لها إنه يشعر بفراغ كبير في غيابها، ومعبرا عن مكنون صدره بكلمات لا تصدر إلا من محب وعاشق ولهان.
وفي كتابه "أنا والعذاب وأم كلثوم"، أكد الناقد الفني طارق الشناوي، أن كوكب الشرق عندما قررت إعلان خبر زواجها من الموسيقار محمود الشريف نزل الخبر كالصاعقة على رأس عشاقها، فقد خرج الشاعر أحمد رامي من منزله بالبيجامة هائما على وجهه في الشوارع، وذهب إليها زكريا أحمد في منزلها وشتمها، أما القصبجي فقد اقتحم منزلها حاملا خلف ظهره مسدسا ليجبر الشريف على إنهاء علاقته بأم كلثوم، لكن سيدة الغناء العربي احتوت الأمر وقدرت مشاعر القصبجي.
وظل القصبجي رغم تجاهل أم كلثوم لحبه لها حريصا عليها، فقد ضحى بمستقبله كموسيقار له بصماته الواضحة في الموسيقى العربية، مفضلا البقاء بجوارها عازفا في فرقتها حتى توفي في 26 مارس 1966 عن عمر 74 عاما،ً تاركا وراءه أفضل الألحان وأروع تضحية يقدمها محب لمحبوبته رغم تفضيلها لآخرين عليه.