يا طير يا طاير
بينما يحجب موقع «فيسبوك» صفحة المناضل والمثقف الفلسطينى الراحل غسان كنفانى، وتجور الصهيونية وتتغول فى سرقة الأرض والحق وتقتل وتهدم البيوت، ناهيك عن عمليات السطو الممنهجة على الموروث والتراث الثقافى الفلسطينى بالأمس واليوم، نجحت سفارة دولة فلسطين وقوتها الناعمة فى القاهرة بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية وصندوق التنمية الثقافية فى إقامة أسبوع للفيلم الفلسطينى أشادت به وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة إيناس عبدالدايم وافتتحه سفير فلسطين فى القاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية.
الافتتاح كان لفيلم الممثلة والمخرجة الفلسطينية الصامدة غير المطبعة «عرين عمرى» وعنوانه «الدرس الأول» واختتم الأسبوع بفيلم هانى أبوأسعد «يا طير يا طاير» عن قصة حياة «محمد عساف» الشاب الغزاوى الذى وحد الفرقاء والفصائل فى بلاده حول اسم فلسطين وفاز بلقب arab idol فى البرنامج الشهير وحقق حلمه بزيارة القاهرة ودار الأوبرا المصرية وحلق بصوته على مسارح مصر وبيروت فصار سفيرًا لبلاده المحاصرة المسجونة- وغير مسموح له حتى الآن- كبقية أبناء غزة بالدخول إليها أو الخروج منها إلا بتصريح وإذن من الاحتلال!
ورغم كل ذلك التعسف ورغم كل المنغصات نجحت دولة فلسطين وصمدت السينما الفلسطينية وتصدت طوال ٥٠ عامًا قدمت خلالها أفلامًا روائية وتسجيلية تؤرخ وتسجل ما يحدث فى الواقع على أرض فلسطين وتنسج على شريط السينما ما يعانيه شعب فلسطين، بل وما يتكبده السينمائى فى فلسطين ليظهر الحقيقة للعالم فى ظل محاولات الآلة الدعائية الصهيونية المستميتة والتى هى فى الأساس آلة حرب ومعول هدم لفلسطين وقضيتها وذاكرتها بتكرار محاولات التشويه والتزييف للحقائق والتاريخ وتجميل صورة الاحتلال باسم الفن وادعاء الإنسانية والتشدق بالسلام الوهمى والصهاينة دعاة وأنصار حرب ومجازر وإبادة واغتصاب للحق بعنصرية ووقاحة وخسة تعيى من يداويها.
خمسون عامًا من الصمود.. صمود الشعب وصمود الوطن وصمود الدولة الفلسطينية وصمود السينما الفلسطينية منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ودعم مؤسسات الدولة لها حتى وصلت السينما الفلسطينية للعالمية وحافظت على تراثها المتبقى من محاولات النهب المستمرة والتى واكبت النكبة وتحاول الآن استعادة الأرشيف الفلسطينى السينمائى الذى دمره وسرقه الاحتلال فى عام النكبة وترميمه ليظل شاهدًا على جرائم الكيان الصهيونى الغاشم.
شارك فى الأسبوع الفلسطينى فى القاهرة ٢٦ فيلمًا ما بين الروائى والتسجيلى وشارك فنانو فلسطين وسينمائيوها فى تقديم الأفلام وعقد الندوات فى نسخة الأسبوع الرابعة فى مصر ودورته الرابعة والتى تعقد فى القاهرة كل عامين وجارٍ الإعداد حاليًا لكارافان سيحمل السينما الفلسطينية لتجوب محافظات مصر، بل وستعمم التجربة بعد نجاح الأسبوع لأربع دورات فى بلدان أخرى عربية وغربية، فالسينما أداة من أدوات التغيير والحراك الاجتماعى وهى قوة فلسطين الناعمة وأداتها السلمية وصوتها فى الخارج الداعم لقضيتها الإنسانية العادلة ضد كل محاولات الاختراق والتطبيع الذى يزاحم على استحياء ليجد لنفسه موطئ قدم بإشاعة حالات من البلبلة واللغط سرعان ما تنكشف وتنقشع ويظهر وجه الاحتلال الحقيقى القبيح وأساليبه الملتوية.
أنسنة القضية الفلسطينية هى الحل الأوحد لضمان الحقوق والحفاظ عليها ومواجهة محاولات التطبيع وتمويع القضية وإضاعة الحق وفلسطنة فلسطين هى أيضًا الحل الأكيد، ففلسطين للفلسطينيين.. هى قضيتهم الكبرى ولا يمكن التعويل على غيرهم للنجاة أو الفوز.
تعريب القضية الفلسطينية وأسلمتها من قبل تيارات وفصائل الإسلام السياسى أضر بها وبحقوق شعبها وأضاع الأرض سنين طويلة وسيجهز اليوم على ما تبقى من أرض وحقوق وبات على الجميع الآن اليقظة والحذر لاسترداد ما سلب من أرض وموروث تحاول دولة الكيان الصهيونى السطو عليه بعد أن سطت على الأرض وقاطنيها سطوًا مسلحًا وتريد السطو على ما تبقى من أرض وإرث وحقوق، لكن مؤسسات فلسطين ومبدعيها على وعى تام وكامل بثراء وتفرد ما لديهم من نفائس فى الذاكرة وفى التراث لا يمكن التنازل عنه أو تركه عرضة للنهب والسلب.
السينما الفلسطينية ستؤرخ وستسجل كل لحظة من لحظات فجور الاحتلال فى تعاطيه مع القضية وأصحابها وستقف بالمرصاد لكل تعدٍ أو اعتداء كان أو يحاك له الآن ليظل اسم فلسطين يتردد فى كل مكان طالما نتذكره نحن وننطق به كحق أصيل.. وكحق مستحق لن يضيع.. بل وفرضه كواقع معاش سنطالب به دومًا ودائمًا ما دامت أعيننا تطرف وتتوق للجمال وترى الخير وتطرب للحق، لا لادعاءات الضباع وتخفى الذئاب فى ملابس الحملان، وبالطبع لن تنطلى ادعاءات السلام ولن تفلح الصفقات المشبوهة.