«الواقع» الواقع
دلوقتى حالا، حضرتك ماسك الجريدة، أو فاتح اللاب توب أو التليفون، وبـ تقرا هذا المقال، وأتعشم تكون مركز فيه، لكن جسمك بـ يحصل فيه آلاف التفاعلات، ربما الملايين كمان.
خلايا بـ تتولد، خلايا بـ تموت، شعر بـ يطول فى كل حتة، شعر بـ يتقصف ويقع، ضوافر بـ تنمو، كرش بـ يدلدل، دهون بـ تتحرق، معدة بـ تفرز حاجات تهضم الفطار، قلب شغال دوم تك دوم تك، دم خارج دم داخل، طحال واثنا عشر وقولون وأمعاء، وحاجات تانية ما ينفعش نجيب سيرتها، كله «شغال» لا يتوقف لحظة.
لكن إنت نفسك بـ تقرا المقال، ومش واخد بالك من كل اللى بـ يحصل دا، بس هل إنت «دايما» مش «مدرك» للى بـ يحصل؟ لا. إنما لا بد إننا نفكر، فى إنه الواقع حاجة، وإدراكنا لـ الواقع حاجة تانية خالص، لما نيجى نبص لـ«إدراك» الإنسان دا، هـ نلاقى له سمات.
أولًا: إنه مهما اتسع، فـ هو فى النهاية محدود، لا أحد يستطيع مراقبة «كل» التفاعلات فى جسده طول الوقت، عمليًا ما ينفعش، ولو فرضنا ونفع، هـ يبقى مزعج جدًا جدًا جدًا، ومش هـ تعرف تقرا المقال، ولا تمارس حياتك بـ هذا الجسد.
ثانيًا: هذا «الإدراك» متفاوت من شخص لـ شخص، فيه ناس فاهمة اللى بـ يحصل «فى إطار محدودية الإدراك»، وفيه ناس تانية فاهماه غلط، وفيه ناس تالتة مش فاهمين أى حاجة فـ أى حاجة، فى النهاية كل شخص مننا عنده حصيلة مختلفة من الإدراك عن الأشخاص التانية، مختلفة فى الكم وفى الكيفية.
ثالثًا: إدراك الإنسان لـ اللى بـ يحصل فى جسده، مهما اتسع، مش بس هو فى النهاية «محدود»، إنما كمان «قاصر»، حسب أدوات الإنسان دا فى قياس اللى بـ يحصل، ممكن يكون فيه طبيب، هو نفسه مدرك كويس الأمور بـ تحصل إزاى، ولما إيه بـ يحصل بـ يأثر بـ الطريقة الفلانية، لكنه الآن لا يملك أدوات الطبيب، من أشعة وتحاليل وسماعات وخلافه.
حتى مع كل هذا التطور، لسه فيه حاجات مش قادرين «نقيسها»، فـ إدراكنا كـ جنس بشرى حبيس إلى حد ما.
رابعًا: فيه حاجات كتير بـ تأثر فى طريقة إدراكك لـ الأمور، خصوصًا خصوصًا العقيدة، طبعًا مستوى الثقافة العام، موهبتك أى قدراتك الذاتية، وحاجات تانية بـ تأثر فى هذا الإدراك.
طيب، إحنا كدا عندنا حاجتين: «واقع» يحدث، و«إدراك» الإنسان لـ هذا الواقع. دا حاجة، ودا حاجة تانية خالص. لكن: ماذا يفعل الإنسان بـ ما يملكه من «إدراك» إزاء هذا «الواقع»؟
الإنسان بـ يتدخل فى هذا الواقع، واحد بـ يحلق دقنه، واحد بـ يحددها، واحد بـ يسيبها تطول من غير تهذيب، ويحلق شنبه، واحدة بـ تعمل ماسك خيار وزبادى، علشان بشرتها تنعم، واحد بـ يروح الجيم، واحد بـ يعمل عملية لـ استئصال الزايدة أو المرارة، واحد بـ يقص ضوافره، واحد بـ يسيب ضافر الخنصر.
يووووه، ما أكثر تدخلاتنا فى أجسادنا، لكن هذه التدخلات:
أولًا: محكومة بـ إدراكنا اللى هو محكوم زى ما شفنا بـ حاجات كتير، ثانيًا: ودا الأهم، مهما تدخلنا، فى الآخر، ما يحدث، سيظل يحدث، وفى الآخر كلنا بـ نكبر، واللى بـ يقدر ينفد من كل غوائل الدهر، بـ يشيخ ويعجز.
وفى النهاية، كلنا هـ نموت، وأجسادنا هـ تتحلل، والطبيعة هـ تشوف شغلها.
إيه دا! إحنا رحنا مناطق غميقة أوى، وبقينا زى الفسوانى فى فيلم العار: لونه حزاينى، فـ خلينا المقالات الجاية نرجع لـ اللغة، بس خليك فاكر: عندنا ٣ حاجات غير بعض خالص: «واقع» يحدث، «إدراك» الإنسان لـ هذا الواقع، «تدخلات» الإنسان فى هذا الواقع.
كنا بـ نقول إيه بقى عن العرب؟.