أمريكا وكوريا الشمالية.. إلى أين يتجه مسار العلاقات مستقبلًا؟
تخيم على العلاقات بين أمريكا وكوريا الشمالية، مشهد من الضبابية والغموض نتيجة حالة الركود التي سادت العلاقات في نهاية العام الماضي، على خلفية عدم التزام واشنطن بالمهلة المحددة بنهاية 2019 لإجراء مباحثات نووية مع كوريا الشمالية وبسبب استمرار العقوبات الأمريكية عليها.
الأمر الذي دفع بيونج يانج إلى إعلانها أنها لم تعد ملتزمة بوقف برنامجها للاختبارات النووية والصاروخية، بعد جولات التفاوض المباشرة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، معلنة أنها ستتجه نحو مشهد جديد أو مسار جديد من العلاقات بين البلدين خلال الفترة المقبلة.
لماذا التصعيد الكوري؟
كشف كيم جونج أون، في خطابه بمناسبة العام الجديد، عن ملامح تحول جديد في مسار العلاقات مع واشنطن، مشيرًا إلى آفاق وملمح سماه "مسار جديد" تعهد فيه باتخاذ مجموعة واسعة من القضايا، تتراوح بين الشؤون الخارجية والتطور العسكري، والاقتصاد والتعليم.
ورغم أن كوريا الشمالية لم تقدم ماهية وملامح هذا "المسار الجديد"، لكن القادة العسكريين الأمريكيين، قالوا إن خطوة بيونج يانج التالية قد تشمل اختبار صاروخ باليستي عابر للقارات، وهو النوع الذي توقفت عن إطلاقه منذ 2017، وكذلك اختبار قنابل نووية.
ويشير مراقبون ومحللون، إلى أن الضربة الأمريكية التي استهدفت قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، قد خلقت حالة من المخاوف والشكوك لدى بيونج يانج وثقتها في واشنطن، ولذا بادرت كوريا باتخاذ هذا الموقف كنوع من الردع المسبق تجاه واشنطن.
وكانت العلاقات بين واشنطن وبيونج يانج قد شهدت تطورًا ملموسًا خلال عامي 2018 و2019 بعد عقود من القطيعة بين البلدين، حيث توصل كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون إلى توقيع اتفاقية إثر قمة تاريخية جمعتهما في سنغافورة.
فقد تعهد الطرفان بنزع السلاح النووي بالكامل من شبه الجزيرة الكورية وتقديم ضمانات أمنية أمريكية، وجاءت هذه الاتفاق في شكل وثيقة "شاملة" وقع عليها ترامب وكيم عقب قمتهما التاريخية وترمي إلى نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية.
وقبل توقيع الوثيقة التي وصفها ترامب بأنها "خطاب شامل"، قال كيم إنه عقد اجتماعا تاريخيا مع الرئيس الأمريكي بهدف إقامة علاقات جديدة بين بلديهما وطي صفحة الماضي مخاطبا إياه مباشرة "سعيد بلقائكم سيدي الرئيس. الطريق للوصول إلى هنا لم يكن سهلا، الأحكام المسبقة القديمة والعادات العتيقة شكلت عقبات كثيرة ولكننا تجاوزناها كلها من أجل أن نلتقي اليوم هنا".
ووصلت المفاوضات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة إلى طريق مسدود، بعد انهيار اجتماع على مستوى فرق العمل بالسويد، استمر يومًا كاملًا، في أكتوبر 2019.
محددات حاكمة لرد واشنطن
بعدما أعلنت كوريا الشمالية عن مسارها الجديد للعلاقات مع أمريكا، بات على واشنطن أن تدرس خيارات الرد ولكن قبل ذلك ثمة محددات متحكمة في تلك الخيارات وهي:
أولًا: السجال السياسي الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين فى مجلس الشيوخ، حول استدعاء الشهود وطلب وثائق من البيت الأبيض، ضمن إجراءات محاكمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتبنى مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، قواعد محاكمة ترامب، بعد 13 ساعة من المناقشات، وصوّت المجلس- بتأييد من جميع الأعضاء الجمهوريين بأغلبية 53 صوتًا، مقابل 47٤٧- لصالح إقرار خطة المحاكمة، ورفض مجلس الشيوخ 7 مقترحات تقدم بها الديمقراطيون، ضمن حزمة التعديلات التي استعرضها المجلس فى جلسات محاكمة ترامب.
وتأتي هذه السجالات في اقتراب دخول موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية وطموح الرئيس ترامب في فترة رئاسية ثانية، ويتزامن ذلك مع تقارير أفادت بتولي وزير جديد للخارجية في كوريا الشمالية وهو ري سون جوان والذي يعد أكثر تشددا تجاه الولايات المتحدة وسبق أن كان ضابطا في الجيش وليس دبلوماسيا.
هذه المشاهد السياسية برمتها تجعل واشنطن تتجه على الأرجح للالتزام بسياسة ضبط النفس انتظارا لما تسفر عنه الفترة المقبلة حتى لا يتسبب ذلك في التأثير على مجريات الانتخابات.
ثانيًا: وفق حسابات المكسب والخسارة، يعتقد محللون أن واشنطن قد لا تستعجل في فرض المزيد من العقوبات على النظام الكوري، حتي لا تستفز قيادتها السياسية، لأن واشنطن تأمل في أن تعود كوريا الشمالية لمائدة التفاوض بحيث يمكن الوفاء بالتعهدات التي قطعت من جانب الرئيسين ترامب وكيم بنزع أسلحة كوريا الشمالية.
ويرى مراقبون أن سبب التأخير ربما انتظار كوريا الشمالية لما قد تسفر عنه انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، وربما له علاقة بالاتفاق التجاري الذي تم توقيعه في البيت الأبيض بين الولايات المتحدة والصين الحليفة الأساسية لكوريا الشمالية.
ثالثًا: يرى خبراء أن كوريا الشمالية قد خرقت التزامها مع واشنطن بتلك المهلة المحددة، حيث أجرت أكثر من تجربة صاروخية بعد توقف لمدة عام ونصف العام بدءا من مايو 2019، وأعلنت بيونج يانج في أوائل ديسمبر الماضي أنها ستقدم هدية عيد الميلاد للولايات المتحدة، والتي فسرت من جانب المسؤولين الأمريكيين بأنها ربما ستكون تجربة صاروخية طويلة المدى، وقامت واشنطن بزيادة رحلاتها الجوية الاستطلاعية للمراقبة حول شبه الجزيرة الكورية تحسبا لإجراء أي اختبارات صاروخية هناك.
رابعًا: أن رؤية الولايات المتحدة لمصالحها الاستراتيجية في منطقة شمال شرق آسيا الباسيفيك من الأمور التي تشغل بال أي إدارة أمريكية، وذلك بسبب تشابك العلاقات والمصالح الأمريكية مع القوي الموجودة في تلك المنطقة، ولذا ستحاول واشنطن مساومة بيونج يانج على مراجعة تحالفها مع إيران، وبذلك تستطيع واشنطن استمالة بيونج يانج لمائدة التفاوض مجددًا، مع تقليص الأخيرة لعلاقات مع طهران، الأمر الذي يخدم المصالح الأمريكية.
يبقى القول إنه في ضوء تداخل مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية في منطقة شمال شرق آسيا، والتي تعد مسرحا لتنافس القوي الدولية، لذا ينصب اهتمام بيونج يانج وواشنطن وبقية القوى المؤثرة في النظام الدولي، على تحقيق أمن واستقرار هذه المنطقة، حفاظا علي أمن واستقرار النظام العالمي برمته.