تونس.. خلاف حول الموقع السياسي واتفاق على تشكيل الحكومة
يواصل رئيس الوزراء التونسي المكلف إلياس الفخفاخ، اليوم الجمعة، مشاورات تشكيل الحكومة مع رؤساء وممثلين عن أحزاب وكتل برلمانية وشخصيات سياسية، للتوافق حول شكل وتركيبة الحكومة الجديدة التي ستواجه قبل 19 فبراير المقبل اختبار نيل ثقة البرلمان.
ومنذ أن كلفه الرئيس التونسي قيس سعيد بتشكيل الحكومة في 20 يناير الجاري، يعكف الفخفاخ على البحث عن حزام سياسي لحكومته قبل الشروع في إعداد موجز برنامج عمل وفريق وزراء ينال ثقة النواب، ويحاول رئيس الوزراء المكلف الاستفادة من أخطاء الحبيب الجملي مرشح حزب "النهضة" الذي فشل في نيل ثقة البرلمان في العاشر من يناير الجاري، لتنتقل صلاحية اختيار المكلف بتشكيل الحكومة إلى الرئيس وفق الدستور.
وفي المقابل، تواجه الأحزاب السياسية اختبارا صعبا وتهديدا لمقاعدها أمام إمكانية حل البرلمان، في حال لم تنل هذه الحكومة الثقة، حيث سيكون لرئيس الجمهورية الحق في حل المجلس والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة وهو السيناريو الأسوأ وفق الأحزاب والسياسيين في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، ولذلك أبدت العديد من الأحزاب مرونة في التعامل مع إلياس الفخفاخ الذي كلفه الرئيس من خارج الأحزاب الممثلة في البرلمان.
وعن مسار تشكيل حكومة الفخفاخ، قال أمين عام حركة الشعب في تونس زهير المغزاوي، إن هذا المسار سيشمل ثلاث مراحل موزعة على ثلاثة أسابيع، أولا لتحديد الحزام السياسي، ثم للبرنامج، بينما سيبحث في الأسبوع الثالث تركيبة وأعضاء حكومته التي وعد الفخفاخ أن تكون مصغرة.
وأضاف المغزاوي عقب لقاء جمعه بإلياس الفخفاخ، أمس الخميس، أن ملامح الحزام السياسي للحكومة سيبدأ بالأحزاب الأربعة التي التقت الرئيس التونسي قيس سعيد، وهي حركة الشعب، والتيار الديمقراطي، وحركة النهضة، وكتلة تحيا تونس، وبعدها قد يتوسع وينفتح على أحزاب أخرى.
وفيما دعت "حركة النهضة" إلى حكومة سياسية ووزراء أحزاب، مفتوحة أمام الجميع، وطالبت أن يكون حزب "قلب تونس" ضمن الائتلاف الحكومي، رفض نواب عن "قلب تونس" إقصاء الحزب صاحب المرتبة الثانية في عدد مقاعد البرلمان من مشاورات تشكيل الحكومة، حيث التقى الفخفاخ أمس الخميس ممثلين عن الأحزاب وفق ترتيب الفائزين في الانتخابات التشريعية والحجم البرلماني ولم يكن بينهم ممثل "قلب تونس".
أما حركة "تحيا تونس"، فطالبت بضرورة الإسراع في تكوين حكومة وحدة وطنية بأكبر حزام سياسي ممكن، وأشار أمينها العام سليم العزابي، عقب لقاء الفخفاخ، إلى أن المناقشات دارت حول المنهجية التي سيتوخاها في المرحلة المقبلة ونواياه في هيكلة الحكومة دون الخوض في مكونات الحزام السياسي للحكومة.
وأكد ضرورة تكوين حكومة وحدة وطنية لمواجهة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، داعيا إلى ضرورة التفاف الجميع حول الحكومة وعدم إقصاء أي طرف سياسي من المشاركة.
كما دعا أمين عام حركة "نداء تونس"، علي الحفصي، إلى ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة وإشراك جميع العائلات السياسية في عملية بنائها، وطالب بعدم إقصاء أي طرف سياسي وبناء الحكومة بهدف "الخروج من الوضع المزري الذي تعيشه البلاد التي لم تعد تحتمل المزيد من الانتظار".
وعبر علي الحفصي عن "دعمه اللا مشروط لحكومة إلياس الفخفاخ"، مبينا أن حزبه ليس لديه أي تحفظ، لا على شخص رئيس الحكومة المكلف، ولا على برنامجه الذي قدم خطوطه العريضة أثناء اللقاء، مؤكدا أن "نداء تونس لا يطالب بأي منصب وزاري في الحكومة المرتقبة.
بدوره، أكد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي محمد عبو، التزام حزبه بدعم إلياس الفخفاخ، للنجاح في تشكيل حكومته من أجل مصلحة البلاد، بعد مرور تسع سنوات "صعبة"، معربا عن الأمل في أن يتوصل الفخفاخ إلى تحديد الأطراف التي ستشارك في الحكومة بشكل نهائي، والخطوط العريضة لبرنامج عملها في آجال معقولة.
وحول شروط المشاركة في الحكومة الجديدة والأطراف التي سيتم التفاوض معها، صرح عبو بأن حزب التيار يفضل منح رئيس الحكومة بعض المرونة في اختياراته، ولا ينوي الضغط عليه من خلال اشتراط عدم مشاركة أطراف معينة أو إقصائها من المشاورات.
أكد أن حزبه متمسك بأن يكون في موقع يسمح له بفرض القوانين ومقاومة الفساد، مشيرا إلى أن الحكومة الجديدة قد تحافظ على عدد الوزراء الحاليين، ولن تكون في حجم الحكومة التي تقدم بها الحبيب الجملي، والتي ضمت 42 شخصا بين وزراء وكتاب دولة.
من ناحيته، أشار رئيس حزب البديل مهدي جمعة، إلى توافق تام في الرؤى مع إلياس الفخفاخ وتوجهاته "المبنية على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية"، مؤكدا أن الفخفاخ لديه تصور للفريق الحكومي الذي سيكون منفتحا على الكفاءات والخبرات الموجودة داخل وخارج الأحزاب.
وعبر عن أمله في أن تعمل كافة المؤسسات التونسية من رئاسة جمهورية وحكومة وبرلمان في تناغم تام، داعيا إلى ضرورة توسيع الحزام السياسي للحكومة القادمة واقتسام التوجهات الكبرى مع المنظمات المجتمع وكل الفاعلين في البلاد.
وفي المقابل، أكدت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، أن حزبها لن يشارك في أية حوارات مع رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ، ولن يصوت لتلك الحكومة التي رأت مبدئيا أنها ستحظى بثقة البرلمان.
واعتبرت موسي أن "الفخفاخ أثبت فشله سواء عندما كان وزيرا للسياحة والصناعات التقليدية، أو وزيرا للمالية"، مشيرة إلى أن "وقت توليه حقيبة المالية بدأ الانهيار المالي وتدهور السياسة النقدية وتدهور الدينار".
وقالت: "نحن اليوم نعاني من تبعات السياسة التي بدأها هذا الوزير على رأس وزارة المالية، وتبعات حكومة الترويكا (جمعت أحزاب النهضة والمؤتمر والتكتل)، ولا يمكن أن نصوت لمن فشل سابقا، لأن هذا الفشل سيتواصل".
وأكدت رئيسة الحزب الدستوري الحر أن حزبها (ممثل في البرلمان بـ 17 نائبا) "سيكون في المعارضة، وسيكون قوة ضغط كبيرة لفرض الإصلاحات، ولفرض عدم انحراف هذه الحكومة بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية نحو المجهول"، مضيفة "سنكون سندا للشعب التونسي، وصمام أمان في البرلمان لحماية الدولة المدنية".
أما الناطق باسم "ائتلاف الكرامة" سيف الدين مخلوف فأكد إثر لقائه رئيس الحكومة المكلف أنه عبر عن تخوفاته من "الاختيار ومآلاته"، وعن "تخوفه من أن تكون حكومته امتدادا لحكومة الشاهد التي وظفت وسائل الدولة لضرب خصومها والانتصار لحزب ومرشح معين".
وفيما أعلنت العديد من الأحزاب بطرق مباشرة وغير مباشرة عن وضعها السياسي (في المعارضة أم في الحكم) خلال الفترة المقبلة، لا تزال هناك أحزاب لم تحدد بعد موقفها النهائي مثل حزب "آفاق تونس" الذي صرحت رئيسة مكتبه السياسي ريم محجوب إثر لقائها رئيس الحكومة المكلف بأن حزبها سيحدد موقفه من الحكومة إثر مجلسه السبت المقبل.
وكلف الرئيس التونسي قيس سعيد، الإثنين الماضي، السياسي ووزير المالية الأسبق إلياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة الجديدة، ليصبح أمامه أقل من شهر لاختيار أعضاء حكومته، وإعداد برنامج والذهاب إلى البرلمان لنيل ثقة نواب المجلس بالأغلبية المطلقة، وإلا فلرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه 45 يوما وأقصاه 90 يوما.