الفرق بين الحرية والفوضى
الحرية هى تمكين الإنسان من اتخاذ القرار الذى يبنى لا يهدم، يغير إلى الأفضل وليس العكس، وحرية الإنسان حدودها حرية الآخر، فالفرد لا يعيش فى معزل عن غيره، بل الحياة شراكة بين الفرد وآخرين معه، كما أن الحرية الشخصية فيما هو للفرد أو الأسرة ترتبط بمصالح مشتركة أساسها التعاون وتقاسم المسئولية بهدف سلامة سفينة الحياة، مع الوضع فى الحسبان أن الجميع فى سفينة واحدة سلامتها سلامة للجميع، وأن الثقب الذى قد يتسبب فيه أى طرف من الجماعة يؤدى حتمًا لغرق السفينة بكل مَن عليها.
أما الحرية التى هى حق لكل مواطن فهى تمكين الفرد من اتخاذ قراره الخاص به أو بأسرته دون ضغط أو إغراء من أى من أطراف الفريق، طالما كان قرار الجماعة لا يسىء إلى آخرين.
أما المفهوم الصحيح لمعنى الحرية فهو سقوط القيود بهدف تحقيق الصالح ليس لفرد على حساب الجماعة، بل دون ضرر أو ضرار، لهذا جاء تعريف الحرية بأنها قدرة الفرد على ممارسة الأنشطة دون إكراه أو تعدٍ على حريات الآخرين، حتى لو كان الضرر سيقع حتمًا على صاحب الفكر أو الرأى، فحياة الإنسان ليست ملكًا مباحًا يفعل بها ما يشاء، فالنفس غالية وليست كما يظن البعض أنها ملك خاص يفعل بها ما يشاء، حتى إذا ما أراد إنسان أن يزهق روحه وأُدْرِكَت نواياه قبل الوقوع فى الفعل كان على المسئول أن يحميه من نفسه بكل الوسائل التى تحمى الفرد من تنفيذ الفعل، وعادة ما يوضع الفرد فى مكان آمن مع استخدام كل الوسائل التى تعالج الفرد، وعادة ما يقال إن حماية الفرد أهم من حريته، فيوضع الشخص اليائس من دنياه فى مصحة للعلاج، بيقين أن أجسادنا هى من إرادة الخالق الذى ميز البشر فوق كل خليقته.
ومن يتابع ما جاء فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام ١٩٤٨ يجد أنه قد جاء فيه أن حق الفرد فى أن يعمل ما لا يضر بنفسه أو بالآخرين، فنفس الإنسان هى منحة من خالقها.
فالحرية إذن هى حق للإنسان، ودون حريته يعجز عن ممارسة حياته الطبيعية، حتى قيل إن حرية الإنسان تميزه عن سائر المخلوقات، أرضية كانت أم علوية، فالملائكة تؤمر فتلبى النداء، ومن عصى منها فقد الطهر والنقاء ونزل إلى هاوية الشياطين وبلا رجاء. أما الإنسان فقد ميزه الخالق بحرية القرار، فهو يستطيع عمل الخير وطاعة خالقه ومحبة الجار والقريب فى الجسد أو فى الإنسانية، وهو أيضًا حر أن يفعل ما يريد، ويبقى حسابه على السلطة الحاكمة، وإن نجا منها فلا نجاة من عقاب الآخرة.
وبالرجوع إلى مصطلح الحريات، فإن الكلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية وتعنى قدرة الإنسان على حرية الحركة والاختيار بين الخير وعكس الخير وهو فعل الإثم.
كما أن الحريات لا تعنى الفوضى، بل الحرية المسئولة وحرية الكلمة التى تبنى لا تهدم، تجمع ولا تفرق.
ومن الحرية المسئولة احترام القانون واحترام السلطة وتوجيه النصح والمشورة بهدف الصالح العام دون نقد لاذع يسىء لا ينفع، فالنقد اللاذع قد لا يبنى، بل يؤدى إلى نكد على الفرد وقد يجر معه آخرين. أما النصح والمشورة فمن شأنهما أن يلقيا ترحيبًا، بل معه الشكر لمن كان حريصًا على النفع العام الذى يعود بالفائدة على الجميع. أما تجاوز الحريات إلى فوضى ونقد لاذع بلا مضمون فيخرج عن دوائر الحوار وسماع الرأى والرأى الآخر، الذى من شأنه أن يؤدى إلى بناء حقيقى ونتائج أفضل، أو قد يقتنع الناقد بالرأى الآخر، وبالتالى يصحح فكره، مما يدفعه حتمًا للتعبير عن رأى الآخر، أو قد يخرج رأى ثالث يجمع بين الرأيين والنتيجة هى الصالح العام دون التمسك بالرأى لمجرد الدفاع عن فكر صاحبه وليس للصالح العام.
نعم تعيش الأمم المتقدمة على قواعد صلبة وحوارات مفتوحة ليس بهدف الإساءة إلى أشخاص بذواتهم، ولكن من أجل الصالح العام، مما أسهم فى بناء مجتمعات سبقت عصرها رغم حداثة عهدها مقارنة بدول سبقت العالم الحديث بآلاف السنين حتى ما بناه الفراعنة لا يزال موجودًا ومعروضًا وما زالت تحتار حوله العقول، ورغمًا عن ذلك فقد سبقت الدول الحديثة نسبيًا والمتقدمة جديًا، حيث درسوا واختبروا فى الغرب فاستخدموا الحداثة والحرية حتى وصلوا القمر، وأما أبناء الفراعنة فَهُم شغلتهم هموم أخرى، لذا لزم النداء ليقظة أبناء وورثة الفراعنة، فهل من صحوة قبل فوات الأوان؟