«لغة» الصعيد
مؤمن المحمدى، هذا هو اسمى، إنما رسميًا مش كدا، فى الورق مكتوب: عبدالمؤمن مصطفى محمد، مؤمن تخفيف عبدالمؤمن عادى، المحمدى بقى جات من اسم قريتى «بنى محمد»، الكائنة شمال شرق أسيوط، على بعد حوالى ١٤ كيلو متر من العاصمة.
لما أبويا وأمى سابوا القرية، وراحوا عاشوا فى المدينة، هناك سمونا المحمدية، كل واحد فينا فلان المحمدى، فـ أنا بقيت مؤمن المحمدى، «بنى محمد» تتبع مركز «أبنوب»، فى قرية فى أبنوب المركز، بـ صرف النظر عن اسمها، على بعد ٤ كيلو تقريبًا من بنى محمد، ٤ كيلو متر، يعنى أقرب من المسافة بين التحرير والدقى.
لكن، ويا سبحان الله، أهل «بنى محمد» كانوا بـ يتنمّروا على ناس القرية دى، ليه؟ علشان لغتهم.
يعنى مثلًا لما تعدى على بيت فى القرية دى، المفروض يقول لك: «اتفضل»، هو بقى بـ يقول إيه: «ما تيجى»، لكنه بـ يحول الجيم لـ دال، زى قرى كتير فى الصعيد، كمان الحركات الطويلة عندهم، ممطوطة شوية عن المعتاد، فـ بتطلع حاجة كدا: «ما تيداى».
فـ إحنا لما نجيب سيرة القرية دى، نقلدهم ونقول: «ما تيداى» ونضحك، حاجات كتير فى لغتهم كدا، ونعمل نكت وحاجات زى دى، طيب، دى قرية فى نفس المركز، تعالى أحكى لك بقى عن حد كنت أعرفه، الراجل دا الله يرحمه، اتولد وعاش ومات، فى قرية اسمها الرسمى «النزلة المستجدة»، وإحنا بـ نسميها «الوادى»، دى تبع مركز «ساحل سليم».
المركز دا شرق زى أبنوب وبنى محمد، بس جنوبًا، يبعد عن بنى محمد حاجة بتاعة ٣٠ - ٤٠ كيلو، الراجل الطيب دا سمع من أبوه وهو صغير، إن أصول عيلتهم من بنى محمد، بس نزحوا من أزمان بعيدة سابقة.
ما تعرفش إيه اللى حصل، بس فى أحد أيام التمانينات، وكان وقتها الراجل دا فى سن كبير شوية، عنده أنجال كبار فى السن، صحى من النوم، فـ قرر يتصل بـ أصوله فى بنى محمد، خد بعضه وطلع على هناك، وهو ما يعرفش فيها مخلوق. قال لهم حكايته، فـ المحمدية رحبوا بيه أيما ترحيب، وبقى فيه صداقة ومعرفة قوية.
عايز أقول لك، إنه من أصعب الأيام، كان يوم ما يزورنا الراجل الطيب دا وولاده، أو نزورهم، هو كان راجل طيب جدًا، كريم جدًا، محب لـ الحكمة جدًا جدًا جدًا، لكننا، ما كناش بـ نفهم منهم حرف، مش بـ نفهم يعنى مش بـ نفهم.
تخيل بقى الراجل دا، قاعد يحكى حكاية طويلة، مليئة بـ الحكمة والموعظة الحسنة، وإنت قاعد تسمع جبرًا، بس كـ إنك بـ تتفرج على فيلم تشيكى.
تعالى بقى نروح المقاولين العرب، الشركة دى، كانت حاجة مهمة جدًا فى عموم الصعيد، ياما شغلت ناس وشباب، وكانت بـ تجمع بشر، من كافة الأنحاء، أوائل التسعينات، اشتغلت فيها كـ نجار مسلح، وكان الموقع يا صديقى، كما لو كان برج بابل، كل واحد جى من قرية شكل، وفيه اللى جى من محافظات تانية، على الأدق من قرى فى محافظات تانية، فـ إنت طول الوقت قاعد مرووش.
بعد دا كله، ييجى واحد يقول لى: المسلسلات الصعيدى ما بـ يتكلموش «صعيدى»، إحنا مش بـ نتكلم كدا فى «الصعيد»، أى صعيد يا صديقى تقصد؟
نفس الحكاية فى بحرى، فـ الأمر كما نتصوره، إنه مصر فيها عشرات «اللغات»، وربما المئات كمان، بـ معنى «المنظومات من العلامات الصوتية المتمايزة»، لـ إنه فيها عشرات «الأقوام»، طب نتصرف إزاى فى الوضع دا؟.
ونعتبر إيه لغة وإيه لهجة؟ وهل هى لغة واحدة واتفرعت، ولا أساسًا هم لغات مختلفة؟
علشان نجاوب ع الأسئلة دى، لازم نشوف المسألة دى حصلت إزاى من أولها
بس دا طبعا فى مقالات جاية.. فـ ابقوا معنا.