بداية جديدة
ساعات قليلة ونودع عام ٢٠١٩ ونستقبل عامًا جديدًا، ومما لاشك فيه أن العام المنصرم يحمل لنا العديد من الذكريات، سواء كانت مؤلمة أو مبهجة، والشخص الإيجابى هو الشخص الذى يتذكر ما يبهجه ويتناسى ما يؤلمه، والشخص السلبى يفعل العكس، لذا نجد أن الكثيرين الذين لا يتمتعون بالإيجابية فى نظرتهم للحياة يصابون بالعديد من الأمراض النفسية، التى يُعد الاكتئاب أشهرها، حيث إنه منتشر بصورة مفزعة فى أيامنا الحاضرة.
هناك العديد من النظريات التى تحاول أن تفسر الاكتئاب وتُرجعه إلى أسباب عضوية أو أسباب نفسية، ومن أكثر النظريات انتشارًا، فى الولايات المتحدة الأمريكية، نظرية تُسمى «النظرية المعرفية» وهى تفسر سبب الاكتئاب بأنه نتيجة أساليب تفكير خاطئة وتكوين مفاهيم خاطئة تجاه الذات والماضى والمستقبل، ولعل أهم أساليب التفكير الخاطئة التى تؤدى للاكتئاب، التفكير السلبى من جهة الماضى، فنجد الشخص المكتئب عندما يسترجع ماضيه ينشغل كثيرًا بالخبرات السيئة والذكريات المؤلمة والمواقف المحزنة، ويظل الشخص أسيرًا مستعبدًا لهذه الذكريات، وهذه الخبرات المؤلمة تظهر واضحة فى تفكيره وفى حديثه، فتؤثر على حالته النفسية وعلاقاته مع الآخرين، وتقوده حتمًا إلى الاكتئاب، والشخص الإيجابى هو الذى يستطيع أن ينتصر على ذكريات الماضى المؤلمة بإعطائها معانى أكثر قوة، واعتبار هذه المواقف المحزنة نقطة تحول للأفضل.
وفى كثير من الأحيان يلوم الناس الأحداث التى وقعت فى حياتهم، ما يجعلهم أسرى وعبيدًا لخبرات الماضى المؤلمة، فيقتلون حاضرهم ويدمرون مستقبلهم بآلام ماضيهم، إن الحقيقة المؤكدة أنه لا شىء فى الحياة له معنى إلا المعنى الذى نعطيه له، والمعنى الذى نلحقه بأحداث الماضى والتفسير الذى نضعه لها هو الذى يُشكل حياتنا بحق، وإحدى الصفات العجيبة فى النفس الإنسانية هى مقدرتنا على رفع شأن أى حدث فى حياتنا، والتقليل من أمره إذا أردنا، فمن يفكرون بطريقة إيجابية ينظرون إلى تجارب الماضى الصعبة ويعتبرونها نقطة تحول للأفضل فى حياتهم، ويُلحقون بها معنى رائعًا وأكثر قوة، ونحن جميعًا نملك القوة والمقدرة على خلق وإلحاق المعانى الطيبة بالأحداث التى نمر بها بصورة تُضاعف من قوتنا على مواجهة حياتنا.
عزيزى القارئ، هل تسمح لأحداث الماضى المؤلمة أن تعكر صفو حياتك؟!! هل توجد معانٍ أخرى جديدة يمكن أن تحملها هذه الأحداث؟ هل جعلتك هذه الأحداث أقوى مما كنت عليه قبل وقوعها؟ هل أصبحت أكثر حكمة من ذى قبل؟ هل أحداث الماضى المؤلمة جعلتك أكثر قدرة على تقديم النصح للآخرين الذين قد يقابلون نفس التحديات؟ فلماذا إذًا تبكى على اللبن المسكوب؟ ولماذا تُلحق كل المعانى السلبية لأحداث ماضيك المؤلمة؟ لماذا لا تفكر بإيجابية وتشكر الله لأجل كل تجربة مررت بها، فهى بلا شك كانت سبب بركة لحياتك وبلا شك أضافت خبرات جديدة لخبراتك؟ ولماذا لا تجعل خبرات الماضى قوة دفع تدفعك لمستقبل أكثر إشراقًا فتهتف من أعماقك قائلا: أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ؟!.