كشوف الذكورية.. 66 حصانًا
ذكورية- معادية للذكورية- تقف وراء مشروع القانون الذى تقدم به أحد أعضاء البرلمان المصرى مطالبًا بحظر تطبيق قانون الخلع إلا لعلة العجز وجعله مرهونًا بالعجز الجنسى.. وهو طرح شديد الغرابة إن أخذناه على محمل الجد وخرج لحيز التنفيذ فسيلزم لتطبيقه إجراء الكشف الطبى على ذكور البلاد لإثبات العجز، ومن ثم فتح الباب على مصراعيه للرشوى من جانب، ومغالاة طالبات الخلع فى فضح وتعرية رجالهن «رجال البلاد» من جانب آخر.
هؤلاء ستتلقفهم وستتلقفهن حتمًا برامج التوك شو والفضائيات التى ستملأ ساعاتها بوجبات دسمة ملغمة بتخمة تخص قضايا وشئون رائجة شعبيًا وشعبويًا.. فالحديث عن تابو الجنس والعجز دومًا محبب لدى السامعين والمتلقين وتفتح له كل الشهيات الممكنة رغم خصوصية تلك المسألة، التى يعشق ويسعى المتطرقون لها دائمًا لجعلها مشاعًا، ناهيك عن كم النكات والكوميكس والتجريح الذى سيطال المجتمع المكبوت، الذى يعانى نزيفًا داخليًا فى منظومة قيمه، فطفح مؤخرًا على هيئة تحرش وخطف واغتصاب وزنا محارم وإلخ، وبالتالى يريد ذلك البرلمانى اليوم إضافة المزيد من الموبقات لمجتمعنا ليزداد تفسخًا، فمن وجهة نظره القاصرة يدعى صاحب المقترح أنه يواجه بمقترحه زيادة معدلات الطلاق فى المجتمع بسبب تطبيق قانون الخلع، ونسى وتغافل عن زيادة معدلات الفضائح والممارسات الفاحشة وكشف ستر البيوت التى ستترتب على تطبيق مقترحه.. فحصر تطبيق قانون الخلع على شرط العجز «والذى يلزم لإثباته الكثير بل يستحيل إثباته».
أو ربما سيطلب لإثباته مطالبة الخصم، أو طالبة الخلع إثبات عجز زوجها على الهواء مباشرة فى البرامج أو على مواقع الإنترنت، وبالتالى يصبح مقترح البرلمانى بمثابة دعوة لشيوع الفاحشة وممارستها علنًا.
ناهيك عن اعتبار بعض طالبات الخلع حصر القانون على هذا الشرط بمثابة تصريح للمتزوجة بألا تخشى ألا تقيم حدود الله، وبذلك يكون مشروع القانون مناهضًا ومتنافيًا مع أحد أهم مبادئ الشريعة الإسلامية المعنى بالضرر والضرار، ويضرب عرض الحائط بما طرحته الشريعة من رحابة فى هذا الصدد، ويصبح اقتراح البرلمانى بمثابة دعوة صريحة لإباحة الزنا، وألا تخشى المتزوجة من إقامة حدود الله، ومن ثم تمارس الرذيلة، أو تقتل ذلك الزوج، أو تقدم هى على الانتحار لتتخلص من معاشرة لا تطيقها، وطالبت بالخلع لأنها تخشى ألا تقيم حدود الله.. ومن ثم يندرج مقترح البرلمانى تحت التوصيف القانونى المتعلق بقاعدة قانونية معنية بتحقيق السلم العام، وتلك الدعوة تمس حتمًا وستعمل على تكدير ذلك السلم و«الصفو العام» وستخالف أحكام الشريعة الإسلامية وستشق اللحمة المجتمعية والأسرية والأخلاقية والدينية... إلخ.
ناهيك عما يحويه الطرح من هدم وتفريغ فعلى لفكرة ومعنى الزواج، وأنه جعل للسكنى والرفقة والسكينة والمودة والرحمة، وبالتالى يُسلَّع مقدم مشروع ذلك القانون الرجل.. تمامًا كما سلعت المرأة لسنين طويلة، ويصبح العجز عند الرجل هو المعيار الأوحد لإثبات الرجولة، ويصبح غير العاجز مباحًا له أن يخون زوجته، أو يضرب شريكته، أو أولاده، أو يعذبهم بالكى، أو بطفى السجائر، أو لا ينفق عليهم... إلخ من الأسباب التى تجعل العشرة والاستمرار فى الزواج مستحيلة، فى حين يرى مقدم المشروع أن المعاشرة الجنسية هى فقط ما تجعل الزوجين يستكملان حياتهما معًا، ويبنيان الأسرة التى هى نواة المجتمع الذى يعانى انفجارًا سكانيًا، وأن الجنس هو نواة الأسرة والمجتمع، وما ينتج عنه ذلك الجنس المقنن بالطبع من إنجاب ونسل تسبب فى تفجير المجتمع من كثرة تعداده، فعانينا جميعًا من الزيادة السكانية التى تطلبت الدخول فى ديون وقروض كانت نتيجتها ارتفاع الأسعار، حتى ثار البعض وأصاب الإحباط الكثيرين.
وبالتالى هل يوجد ما يمكن أن يكدر علينا السلم والصفو العام أكثر من مقترح هذا المشروع؟
ولمن سيتساءل عن كيفية صمود الأسر فى حيواتها لسنين قبل سَن قانون الخلع قبل منتصف التسعينيات، والإجابة عن هذا السؤال يمكن اختصارها أو اختزالها بمشاهدة فيلم «أريد حلًا»، الذى تحدث بواقعية عن حالات تسببت فى تعاسة ومرض بل وموت أصحابها، ناهيك عن ظاهرية وشكلانية العلاقات التى كانت تبدو على ما يرام، فى حين أنها سر لا يعرفه سوى طرفيها فقط، ومن ثم تبرير وتمرير كل الجرائم والموبقات التى ارتكبت حتمًا فى الخفاء طوال تلك السنين قبل سن قانون الخلع، ورسخت بدورها لثقافة «بئر السلم» بما تحويه من كذب ومداراة.. يريد البرلمانى استعادتها وترسيخها فى مجتمعنا من جديد وكأنها فضائل ومكارم ونعم.
فبعد كل ما تكبدنا من عناءات، وبعد كم هائل من المطالبات والنضال الذى قادته النسويات ورجال المجتمع الحقيقى لسن قانون الخلع المستند للشريعة الإسلامية، الذى حافظ على المجتمع ونسائه من الوقوع فى الرذيلة، يصطف اليوم مقدم المشروع مع أنصار التيار الظلامى وأعضاء حزب النور- المخالف للدستور- ممن نادوا فى زمن حكم الراحل مرسى العياط بإلغاء قانون الخلع، ونعتوه آنذاك بقانون سوزان وجيهان، فى الوقت الذى ينادى ويطالب رئيس الجمهورية اليوم بتجديد الخطاب الدينى، بل دعا وتصدى بنفسه لظاهرة الطلاق الشفهى، ليحمى نساء بلاده من تلاعب الرجال بهن.