بناء مجتمع التسامح فى مواجهة خطاب الكراهية
فى إطار تنامى خطاب الكراهية داخل البلد الواحد وفى إطار تنامى صعود حركات عنصرية ضد المهجرين وضد الآخر، وفى إطار تنامى التفاوت الطبقى الرهيب بين قلة تحتكر الثروات وتتحكم فى السلطة ورأس المال، وأغلبية من الشعب تعيش فى الفقر والفقر المدقع، ما يعنى غياب العدالة الاجتماعية، ومع تنامى أفكار متطرفة ومتشددة تجتاح بلدان العالم وبلداننا العربية تحض على الفتن والكراهية بين أبناء الشعب الواحد وتلتقى مع مصالح الدول الرأسمالية المتوحشة الكبرى التى تريد مزيدًا من تقسيم بلداننا العربية عن طريق إشعال الفتن والاقتتال على أساس طائفى ومذهبى وعرقى. وسط هذه الظروف ينبثق شعاع تنويرى من منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية وتشرق شمس الحوار المجتمعى فى المؤتمر الثانى للهيئة بالإسكندرية (١٩- ٢٠ نوفمبر ٢٠١٩) استكمالًا لمؤتمرها الأول والذى انعقد فى شهر أغسطس الماضى تحت عنوان المواطنة وبناء مجتمع التسامح فى مواجهة خطاب الكراهية.
تناول القس أندريه زكى (رئيس الهيئة الإنجيلية للخدمات الاجتماعية ورئيس الطائفة الإنجيلية)، فى كلمته فى الجلسة الافتتاحية، الحديث حول ماهية خطاب الكراهية وأشكاله وكيفية مواجهته، وأنه لا بد من بناء الشخصية وبناء رأس المال الاجتماعى، وتعزيز القيم الإيجابية وتجديد الفكر الدينى، ووجود بنية تشريعية تُجرِّم خطاب الكراهية، والاهتمام بتشكيل الوعى المجتمعى من خلال (التعليم والثقافة والإعلام والخطاب الدينى) ودور وسائل التواصل الاجتماعى وتأثيرها فى تشكل الثقافة والسلوك. وأشار القس أندريه إلى أن هذا الحوار سيستمر وينعقد فى عدة أماكن فى بلدنا، لأننا فى حاجة إلى بناء جسور بيننا من المحبة والتسامح والتعايش معًا وقبول الآخر والمختلف من أجل الإسهام فى بناء دولة المواطنة ودولة القانون والعدل والمساواة والعدالة الاجتماعية.
على مدى يومين كان هناك عدد من الجلسات المهمة بحضور مجموعة من المثقفين والمفكرين ورجال الدين، المسلم والمسيحى، ونواب مجلس الشعب وممثلى الأحزاب والمنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية والصحفيين والإعلاميين والأكاديميين وامتد الحوار عبر٥ جلسات تحت عناوين مقومات مجتمع التسامح والمواطنة، والتراث الثقافى ودوره فى مواجهة خطاب الكراهية وصناعة التسامح، وسائل التواصل الاجتماعى وصناعة التسامح، الهوية الوطنية المصرية وصناعة التسامح، قضايا النوع الاجتماعى والتسامح. وسأحاول عزيزى القارئ وعزيزتى القارئة فى السطور التالية أن أوجز أهم ما دار فى الحوار وأهم التوصيات التى توصلنا لها وأجمع عليها الحضور.
وأود يا سادة يا كرام أن أشير فى البداية إلى ما جاء فى دستورنا فى الفصل الثالث «المقومات الثقافية» من الباب الثانى فى المواد «٤٧» والتى تنص على التزام الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية وروافدها الحضارية المتنوعة. المادة «٤٨» والتى تؤكد أن الثقافة حق لكل مواطن دون تمييز، وتولى الدولة اهتمامًا خاصًا بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجًا. وإذا انتقلنا للمادة «٤٩» نجد أنها تنص على التزام الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها وصيانتها واسترداد ما استولى عليه منها. وتشير المادة «٥٠» إلى «تراث مصر الحضارى والثقافى المادى والمعنوى بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى المصرية القديمة والقبطية والإسلامية ثروة قومية وإنسانية تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذا الرصيد الثقافى المعاصر المعمارى والأدبى والفنى بمختلف تنوعاته. والاعتداء على أى من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. وتولى الدولة اهتمامًا خاصًا بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية فى مصر». هذا بالإضافة إلى المواد التى تنص على حرية الاعتقاد والفكر والرأى والإبداع والبحث العلمى والصحافة، والمادة «٧٤» التى تحظر إنشاء أحزاب دينية، وللأسف نجد أنه ما زالت عندنا أحزاب دينية يحض رؤساؤها وشيوخها على الفتنة والكراهية وعدم قبول الآخر ويبثون الأفكار المتشددة التى تنشر العنف والإرهاب فى مجتمعنا.
اتفق الحضور على أنه من الضرورى العمل على تفعيل مواد الدستور وسن تشريعات وقوانين تتفق معها وإنشاء مفوضية عدم التمييز، وفقًا للمادة «٥٣» التى تُجرِّم التمييز لأى سبب من الأسباب، كالدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، وتنص على أن المواطنين لدى القانون سواء ومتساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، وذلك من أجل استقرار المجتمع. كما وجه الحاضرون التساؤل لأعضاء مجلس النواب حول عدم إنشاء مفوضية عدم التمييز حتى الآن، رغم أن ذلك من الأولويات لحل العديد من الأزمات ولنشر ثقافة التسامح والمواطنة من أجل تقدم واستقرار وبناء المجتمع.
اتفق جميع الحاضرين والحاضرات على أهمية التعليم كعامل أساسى ومحورى لبناء دولة التسامح والمواطنة، التعليم فى جميع مراحله منذ تنشئة الطفل فى رياض الأطفال وحتى الجامعة مرورًا بمدارس الابتدائى والإعدادى والثانوى. وتناول الحوار أهمية تنقية المناهج مما يشوبها من أى مواد ترسخ التمييز والكراهية وأهمية أن يُرسِّخ التعليم قيم الانتماء وينمّى المعرفة والمهارات والإبداع، وأن يقوم التعليم على استخدام المنهج العلمى فى التفكير ولا يقوم على الحفظ والتلقين والسمع والطاعة. وانضم عدد كبير من الحاضرين للرأى الذى طرحته حول اقتصار التعليم الأزهرى الجامعى على العلوم الدينية والفقه والشريعة فقط، أما بقية الكليات العلمية والأدبية فتتبع وزارة التعليم العالى، وأيضًا إلغاء التعليم الدينى فى رياض الأطفال ومراحل التعليم الابتدائى والإعدادى والثانوى، مع توحيد نظم التعليم وضمها إلى وزارة التربية والتعليم.
وامتد الحديث حول المواطنة ومفهومها كقيمة سياسية عبر تاريخ طويل من الحركة والصراع والتأكيد على أن المواطنة ليست مجرد نصوص جامدة، ولكنها حركة الناس والمجتمع على أرض الواقع وعملهم المشترك معًا لتنمية المجتمع وإصلاح وبناء الوطن.