مش كل الفندام فندام
فى رواية دون كيشوت، الملكة غضبت على مهرج البلاط، قالت له: إنت ما بقيتش تضحك زى زمان، وأنا هـ أشوف حد بـ يضحك أكتر منك، وأجيبه بدالك. المهرج قبل التحدى، وقال لها: لو جلالتك لقيتى حد بـ يضحك أكتر منى، هاتيه.
بعدها، الملكة ماشية فى الطريق، راجعة القصر بتاعها من مشوار ما، راكبة العربية اللى بـ تجرها الخيول، ومعاها الفرسان لـ الحراسة، فـ شافها دون كيشوت، ودى كانت أول مرة دون كيشوت يصادف الملكة، فـ عقله التعبان صور له إن الفرسان دول هم الأعداء، خاطفين الملكة، فـ من واجبه كـ «فارس»، إنه يتدخل لـ إنقاذها.
طلع عليهم بـ سيفه الخشبى، وهدومه المبهدلة وهاااع وكدا.
الملكة ضحكت، وأمرت الفرسان يجاروه فى اللى بـ يعمله، ويخطب خطبه، ثم أمرتهم بـ حمله لـ القصر، حيث فيه ضيوفها المعتادين، وخلت دون كيشوت يهرتل قدامهم، فـ ضحكوا جدًا، ضحكوا أكتر كتير من الضحك المعتاد. فى نهاية الليلة، قالت لـ المهرج: أهو، فيه حد بـ يضحك أكتر منك.
قال لها: اسمحى لى مولاتى، هو مش بـ يضحك أصلًا، صحيح الناس ضحكت، بس لـ إنه دا راجل فعلًا فى الحياة، وبـ يعمل كدا، إنما لو أنا عملت نفس اللى عمله، فى فقرة من اللى بـ أقدمهم، محدش هـ يضحك خالص.
الملكة اقتنعت، وأنا كمان اقتنعت، وشفت دا فى حاجات كتير حوالى، مرة، كنت مشترك فى عرض مسرحى، أشعار صوفية وحب إلهى، وحاجة فى منتهى الشحتفة والبكائيات، كان الفنان بطل العرض مشهور بـ البكائيات والأدوار «الجادة»، بس من أول اجتماع اجتمعناه، مرورًا بـ البروفات وحتى ليالى العرض، كان بطلنا دا مش ممكن ومش طبيعى، كان بـ يضحكنا لما بـ نسخسخ من الضحك.
قبلها بـ فترة بسيطة، كنت بـ أروح جيم فى المهندسين، ومرة كان بطلنا دا هناك بـ يتدرب، فـ برضه كان مسخرة السنين. فـ سألت حازم شحاتة أثناء العرض:
هو ليه محدش بـ يستفيد من هذا الممثل كـ فنان كوميدى؟ دا فظيع.
قال لى: لأ، هو فظيع كـ شخص، دمه خفيف فى الحياة كدا، إنما تقديم عمل يضحك، موضوع تانى خالص، دمه هـ يبقى تقيل جدًا، لـ ذلك هو محبوب فى الأدوار الجادة.
قلت له: عندك حق، وساعتها افتكرنا دون كيشوت.
محيى إسماعيل مثلًا، مصر كلها بـ تضحك بـ سببه، وكله بقى يقول: هاااه إيه تانى؟ وكنت عبقرى وشكرًا، إنت ما بـ تعرفش تتكلم، إنما هل «الإيفيهات» دى تضحك؟ هل أداؤه هو اللى يضحك؟ لأ.
هو بـ يضحك لـ إنه «حقيقى»، لـ إنه عمل الحاجات دى فى حوار فعلى، وهو المفروض عضو لجنة تحكيم فى مهرجان سينمائى «جاد»، إنما لو حد كتب الحوار دا فى فيلم، وأداه بـ نفس الأداء، مش هـ يضحك خالص، دلوقتى، فيه منتجين ممكن يحاولوا يستغلوا محيى إسماعيل، فـ يجيبوه يمثل، وغالبًا هـ يخلوه يعمل أدوار شبيهة بـ الموقف اللى عمله، هل دا هـ يخلى الناس تضحك؟
وارد دا يحصل فى أول عمل، إنك تضحك ضحك بـ التراكم، زى اللى كلمتك عنه قبل كدا، إنما خلاص، بعد كدا مش هـ يضحك.
دا بـ الظبط اللى حصل مع زلطة، وساعتها كتبت حكاية دون كيشوت، زلطة مش بـ يضحك، اللى بـ يضحك إنه ظهر فى أول فيديو خالص بـ اعتباره مواطن فى الواقع بـ يتكلم كدا، وبرضه جابوه، عمل فيلم ولا حاجة، ثم بخ ما عادش بـ يضحك.
بص حواليك:
المسئول السياسى الفلانى بـ يضحك ناس كتير، رئيس النادى العلانى بـ يضحك ناس كتير، القذافى بـ يضحك ناس كتير، علاء الحامولى فى التعليق الشهير بتاعه موتنا من الضحك، ولسه بـ يضحكنا لـ حد دلوقتى، بعد ٤٠ سنة، عشان كلمة قالها، أكيد الكلمة ما تضحكش، ولا الموقف كله يضحك، إنما لـ إنه «حقيقى» بـ يضحك.
فـ مش كل اللى بـ يضحك، بـ يضحك، أو كما قال الدكتور عبدالجواد: مش كل الفندام فندام يا على بيه.