بين الانفعال والمبادرة فجوة كبيرة
من المعلوم أن لغتنا التى نستخدمها فى مواجهة المواقف الصعبة تكشف سلوكياتنا، فاللغة المستخدمة فى المواقف الصعبة تعلن عن شخصياتنا والمثل يقول: «تكلم حتى أراك»، فشتان الفرق بين لغة التواصل والبناء والإصلاح، ولغة الانفعال، ولغة وضع الأمور فى نصابها الصحيح.
هناك من يقول على سبيل النصيحة للمتكلم: «إذا لم تكن لديك أدلة قوية فارفع صوتك عاليًا»، ظنًا أن الانفعال يبرر إعفاءهم من المسئولية. بينما يصرح آخر مبررًا انفعالاته قائلًا: «إننى رُبيت هكذا ولست مسئولًا عن هذه التصرفات التى لا أستطيع التحكم فيها، فالأمر لا حيلة لى فيه».
وأضاف أن «الوقت لا يسمح مع زحمة العمل وحجم المسئولية حتى أصحح الوضع، فهو خارج قدراتى وليس من وسيلة إلا بمواجهة المواقف الصعبة التى قد أخسر فيها صديقًا»، ولكن بذات القدر من توجيه النصح، لا مانع من تحمل قدر من التعب أو المعاناة إذا كان الوضع سيتغير إلى الأفضل، أما إذا كان الإصرار على الموقف الخاطئ، فلتوجه النصيحة فى قالب من الاهتمام بالصديق. وأمامنا مثال فى صديق غير قادر على حسم المواقف بين اختيارات عديدة. فهذا الصديق أمامه أكثر من اختيار ولا يمكن الجمع بينها. فهو يعمل فى شركة صديقه وفى ذات الوقت هو عضو فى فريق رياضى، ويسأل صديقه صاحب العمل كيف يوفق بين عمله وفريقه الرياضى، ويسأله الصديق: هل تستطيع التوفيق بين الرياضة والعمل وإذا كان الأمر يقتضى الاختيار فأيهما تختار؟ يجيب: أنا أحب الرياضة والوقت متعارض. أجاب الصديق: اذهب إلى ما تحب وترغب، وسوف أقوم بتعيين بديل عنك مع احترامى لاختيارك وعدم إمكانية الجمع بين الرغبتين، مع كل تقديرى لاختيارك، فرغم الصداقة، فإنه لا يصح إلا الصحيح، وبدون إفساد الأمر للصداقة الحقّة. ومن خلال موضوع دروس حول تغيير الشخصية لستيفن كوفى يقول: «أثناء إحدى الندوات نهض رجل وقال للمحاضر: يعجبنى ما تقول لكن كل موقف يختلف عن الآخر، خذ مثلًا علاقتى الزوجية وأنا قلق بشأنها لأننى أنا وزوجتى لم نعد نكن لبعضنا البعض المشاعر ذاتها كسابق عهدنا. وأعتقد أننى لم أعد أحبها، كما أنها لم تعد تحبنى هى الأخرى. فما الذى يسعنى القيام به؟ فسأله المحاضر ألم تعد بينكما أى مشاعر؟ فأجاب السائل: لدينا ثلاثة أطفال وكلانا قلق عليهم، فماذا تنصحنا بعمله؟ فكان رد المحاضر: أحبّها». فرد المشارك «لم تعد بيننا أى مشاعر»، كرر المحاضر «أحبّها»، كرر السائل ذات الكلام: لم يعد حب بيننا، فكرر المحاضر: «إذن أحبّها فإذا لم تعد بينكما مشاعر كما تقول فهذا أدعى لتحبها»، فرد السائل: «كيف تحب عندما لا تحب؟» فكان رد المحاضر المتخصص: «إن الحب فعل، والحب والمشاعر هى ثمرة الحب أى الفعل، لذا أحبها واخدمها وضحِّ من أجلها واستمع إليها وقدرها. هل أنت قادر على هذا؟ ويؤكد المحاضر أن الحب فعل، ولكن توصيفه بأنه مشاعر تعريف خاطئ، فالحب شىء يقوم به الشخص تصاحبه تضحيات تبذل من أجل الآخرين، ومن يُرد دراسة الحب لا بد أن يقرأ عن الذين بذلوا تضحيات من أجل الآخرين، حتى من أجل الذين هاجموهم أو لا يحبونهم. فالوالد يُكن الحب لأبنائه، وكم من التضحيات التى يبذلها من أجلهم، فالحب هو قيمة تتحول إلى واقع من خلال الأفعال التى تدل على الحب. إن المبادرين يضعون المشاعر فى مرتبة أدنى من القيم، ومن ثم تتسنى لهم استعادة الحب والمشاعر.
ومن الواضح أن هناك خلطًا بين الأفعال والمشاعر، الأمر الذى يضاعف من تراكم المشكلات، مع الوضع فى الاعتبار أن المشكلات قد تكون مباشرة أو غير مباشرة ومشاكل خارجة عن السيطرة، حيث لا حول لنا فيها ولا قوة. فالمشاكل المباشرة تتعلق بسلوكنا، أى أننا صانعوها، أما المشاكل التى تتعلق بتصرفات الآخرين فهى ليست مباشرة، والنوع الثالث مشاكل خارجة عن السيطرة مثل مشاكل مضى عليها زمن وهى تلازمنا دون أن يلوح لنا منها فكاكًا، ولكن من يُرد مواجهة هذه المشكلات فليبدأ بالمباشر منها، وذلك بالتركيز على عاداتنا، فهى تقع فى دائرة تأثيرنا، أى أننا قادرون حيالها على التصرف والتأثير عليها مع الوقت والمثابرة. أما المشكلات غير المباشرة فحلها يكون عن طريق تغيير التأثير بفكر متفتح من جانبك بدلًا من محاولة تغيير الآخر. فقد تفشل وتخسر علاقتك مع هذا الآخر.
أما المشاكل الخارجة عن نطاق السيطرة، فإن الشخص الأقوى هو الذى عليه أن يبدأ بالتغيير من جانبه، أى البداية من الشاكى لتغيير العداوة إلى البشاشة، وتقبل المشكلة برضا وسلام نفسى، والتعلم منها حتى لو لم نكن نحبها حتى لا نسمح بسيطرة المشكلة علينا، وهناك دعاء جميل «يا إلهى امنحنى الشجاعة لتغيير الأشياء التى باستطاعتى تغييرها، بل يتعين علىّ تغييرها، وامنحنى الهدوء والسكينة لتقبل الأشياء التى لا أستطيع تغييرها، وأعطنى الحكمة لإدراك الفرق».. وفى كل الحالات فالإنسان قادر على تغيير عاداته إذا أراد، وتغيير نظرته للمشاكل الخارجة عن سيطرته، ولكنها تقع داخل دائرة تأثيره.