جنة وأخواتها
حدوتة مصرية مؤلمة.. حكى عنها ولخصها محمد منير فى أغنيته الشهيرة بعبارة تقول: «يا ناس يا ناس يا مكبوتة»، فبعد واقعة اغتصاب طفلة رضيعة اشتهرت إعلاميًا بواقعة «فتاة البامبرز»، ومن ثم تدمير وهتك عرض مجتمع بل أمة بأكملها كان يحاكيها الزمان وغنت لها سيدة اشتهرت أيضًا بأنها سيدة الغناء وكوكب الشرق قائلةً «كان نهار الدنيا ما طلعشى وهنا عز النهار» أين ذهب النهار؟
نحن مقوضون الآن ومحاصرون ومعتقلون داخل توك توك كبير مظلم قبيح، كريه الرائحة نستمع فيه عنوة لأغانى الندب والغضب والصفيح، بعد أن صار عبده موتة وحمو بيكا وغيرهما، ممن أجهل أسماءهم، مشاهير يحرضون على الغضب ويثيرون شهوات التحرش وما قد يليه من خطف واغتصاب.. فمن اغتصب طفلة وسيغتصب غيرها، أنا على يقين من أنه استمع وسيستمع دومًا لتلك الأغانى ومن يناديه فيها ويقول له: «شيطان يوزك- إلعب يلا- ما تلعب يلا» وغيرها من الكلمات المحرضة، والموسيقى المثيرة للغرائز، وحالة، القيح والسوقية والعشوائية والعطن الذى يفوح من الأصوات والموسيقى والكلمات.
تلك الأغانى التى أصبحت تصاحبنا بشكل يومى ونستمع لها عنوة فى كل لحظة من لحظات حياتنا وتسير معنا فى كل مكان ما هى إلا أغانٍ تحريضية تحرض على العنف والغضب وتصلح حتمًا ودومًا كخلفية لجريمة، أو لفعل الاغتصاب والكى بالنار وهتك العرض والتحرش وكل أنواع البذاءة والموبقات.. لم ينجُ الأطفال من ظلمات التوك توك وثقافته الوضيعة، التى اتسعت لتشمل جموع القاطنين فى هذا المجتمع، فواقعة فتاة «البامبرز» كنا نظنها واقعة فريدة فى شذوذها وغير متكررة ولن تتكرر، فتكرر ما هو أسوأ منها وبمراحل، وفوجئنا بواقعة جديدة لطفلتين دفعة واحدة، وبطل الواقعة هذه المرة هو «الخال»، وجدة الطفلين.
حنان الجدة والخال تحول لكىّ بالنار وتعذيب لطفلتين، ماتت إحداهما وعاشت الأخرى لتتكبد وتعانى هوسًا وظلمًا وفحشًا وكبتًا يستحيل علاجه أو مواجهته إلا بقوانين علمانية صارمة تفصل تمامًا سلطة وسطوة رجل الدين عن رجل الدولة، الذى عليه تشريع قانون يحظر إنجاب أكثر من طفل واحد تمامًا كما فعلت الصين وصارت من كبريات الأمم الآن وتفوقت وتقدمت بعد أن عانت من الانفجار السكانى، الذى نعانى منه اليوم، وهو أصل الشرور، الانفجار السكانى أنتج بشرًا تصعب السيطرة عليهم أو استيعابهم أو تعليمهم أو علاجهم فوضعناهم ووضعنا معهم فى عشوائيات وتركناهم وتُركنا جميعًا لنظرية الانتخاب الطبيعى، فخرج من المجتمع الإرهابى والمغتصب والمقاول واللص والمهاجر بشكل غير شرعى، أو حتى بشكل شرعى، ومات منهم البعض، مثل جنة، وسيموت آخرون لا محالة، سيموت كثيرون كمدًا، أو بسبب الفقر، أو المرض، وستزيد بالتبعية معدلات الكبت والمكبوتين، ومن ثم المغتصبين والمتحرشين، وهم كثير فى مجتمع يدعى التدين الفطرى ويسعد بالتدين الشكلانى، وهو فى حقيقة الأمر مجتمع مكبوت إلى أقصى مدى، فأفرز الكبت أغانى الغضب، وبالتالى أفعال التحرش والعنف والاغتصاب والإرهاب.
المجتمع المكبوت مجتمع ضار وغير صحى، ولن يفرز، ولن يسمح بأى تطور أو تنمية أو بناء.. فقط سنستمر فى التدهور حتى نصل لقاع القاع، أو ربما نكون بالفعل قد وصلنا، فكما حلت الصين أزمة الانفجار السكانى وعبرت بأمتها لبر الأمان حلت دول مثل إيران وبعض دول الخليج قضية الكبت والتحرش والاغتصاب بقوانين صارمة من ناحية، وبتقنين جواز المتعة والمسيار من ناحية أخرى.
أما رجال الدين الذين يتشددون ويحرمون بأهواء.. فالانصياع وراءهم قد خلّف لنا ترسانة من الإرهابيين القتلة الذين يقتلون أبناءنا فى سيناء وفى كل مكان ومتحرشين مكبوتين يغتصبون أطفالنا وبناتنا فى القرى والنجوع، لقد نجا محمد بن سلمان ببلاده من سطوة الثيروقراطية ورجال الدين، الذين يدعون الناس للتناسل كمدعاة للفخر، ويدعون المكبوتين للصيام لأنه لهم وجاء! ماذا جنينا إذن من سلطة وسطوة رجال الدين على مجتمعنا؟ لقد حصدنا بسببهم انفجارًا سكانيًا وإرهابًا وكبتًا وأترك القوس مفتوحًا للكثير من الجرائم والموبقات التى ترتكب باسم الدين، فتكون العلمانية هى الحل الأوحد الذى سينقذ البلاد والعباد، بل سينقذ الدولة من سطوة الثيروقراطية والإرهاب والكبت وانصياع كل هؤلاء لدعاوى المقاول الهارب ومن وراءه ممن يطمعون فى الكراسى والسلطة ويطالبون اليوم بتداولها.
ويبقى الوضع فى المجتمع على ما هو عليه، ونظل نعانى ونرزح فى تفاصيل حيواتنا اليومية من العشوائية والسوقية والتحرش والإرهاب، وتموت جنة ثم تلحق بها أخواتها إن ظل الوضع على ما هو عليه، ويظل القوس مفتوحًا لافتراس المزيد من الفرائس.