حرائق الأمازون المدمرة والدروس المستفادة
منذ أيام مضت وحتى وقت كتابة هذا المقال، والصحف العالمية لم تتوقف عن الحديث عن هذه الكارثة المدمرة، ليس للبرازيل فقط، بل لأجزاء عديدة من الكرة الأرضية. فهذه الحرائق لم يحدث نظير لها منذ عشر سنوات، لم نر فيها غابات الأمازون تحترق ويستمر حريقها لأيام بل ولأسابيع، فأكثر من خمسة وسبعين ألف فدان تلتهمها النيران، حتى إن الحكومة تعلن افتقارها إلى الموارد والأجهزة الكافية لإطفاء هذه الحرائق.
النيران تشتعل فى رُقع واسعة من الأرض حتى شملت أربع ولايات من البرازيل، وتشتعل فى غاباتها النيران حتى بلغ انتشار الحرائق أن تُعلن حالة الطوارئ فى ولاية الأمازون وتغطى الظلمة مساحات تمتد لأكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، كما زادت نسبة انبعاث ثانى أكسيد الكربون مع غاز أول أكسيد الكربون بمستويات مرتفعة مما يلحق الضرر بدول أخرى. وبلغت المساحات المتأثرة أكثر من سبعة ملايين كيلومتر مربع، وكان لفنزويلا النصيب الأكبر من هذه الكارثة، حيث بلغت الحرائق المتفرقة ستة وعشرين ألف حريق ثم تلتها بوليفيا بسبعة عشر ألف حريق.
ولقد عبر الرئيس البرازيلى جايير بولسونارو عن غضبه من تصريحات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون التى وصف فيها حرائق غابات الأمازون المطيرة بأزمة دولية، مطالبًا بوضعها على جدول أعمال قمة الدول السبع، قائلًا: «دعونا نناقش حالة الطوارئ الأولى هذه فى غضون يومين». والمعروف أن الدول السبع المشار إليها هى: كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، بريطانيا، وأمريكا».
ويقول ألبرتو ستيزر العالم فى معهد سى إن إن بأن تسعة وتسعين فى المائة من حرائق الأمازون ناتجة عن أفعال بشرية، إما عن قصد أو عن طريق الصدفة.
كما تعلن منظمات بيئية أخرى أن حرائق الغابات سببها من يربون الماشية الذين يريدون تجريف أراضى الغابات وبتشجيع من الرئيس البرازيلى نفسه الذى يشجع ويؤيد هذا القطاع فى البلاد.
كما أعلنت منظمة العفو الدولية أن المسئولية تقع على عاتق الرئيس بولسونارو وحكومته لتبنيهم سياسة كارثية تتمثل فى تعريض الغابات المطيرة للتدمير، وهو ما مهد الطريق لهذه الأزمة الحالية.
ويطلق على غابات الأمازون المطيرة بأنها رئة الأرض، حيث تبلغ مساحتها خمسة ونصف المليون كيلومتر مربع، وتعتبر من الأماكن شديدة الأهمية التى تواجه ظاهرة الاحتباس الحرارى، كما تضم هذه الغابات نحو نصف الكائنات الحية التى تدب على كوكب الأرض.
كما أن غابات البرازيل توفر نحو عشرين بالمائة من الأكسجين على كوكب الأرض، لهذا فإن محاولة اقتلاع هذه الغابات سيؤثر حتما على سائر أركان الكرة الأرضية.
وتبقى الآراء متداولة حول القضية التى تهم الكوكب الأرضى بأكمله وليس دولة أو بعض الدول، ولذا فهى القضية التى لا بد من حزمها.
رئة العالم تحترق.. فهل من منقذ؟.. فالعالم كله قد يصبح مهددًا بكوارث بيئية مدمرة. صحيح أن هناك حرائق مماثلة شبت فى بعض الدول الأخرى مثل جنوب فرنسا، وأخرى فى غابات سيبيريا فى مطلع ذات الشهر، واليونان هبت بغاباتها حرائق مماثلة، ولكن الدول قامت بواجبها على الفور، فقد قامت اليونان بإخلاء منطقة الحريق، كما طلبت السلطات اليونانية مساعدة الدول الأوروبية لإخماد الحرائق فى أسرع وقت.
وفى ذات الشهر أغسطس من العام الجارى هبت حرائق فى جزر إسبانية وتحديدًا فى جزر كناريا الكبرى حتى قامت السلطات بإخلاء نحو ثمانية آلاف نسمة من منطقة الحرائق، كما شاركت أكثر من خمس عشرة طائرة مزودة بنحو سبعمائة شخص متدرب على إطفاء مثل هذه الحرائق التى بلغ ارتفاعها نحو خمسين مترًا، كما أتلفت الحرائق مساحات شاسعة من الأراضى الزراعية بامتداد أربعة وثلاثين كيلومترًا.
أما الإخصائيون فى مثل هذه الحرائق فهم يصرحون بأن حرائق الأمازون تفوق حدود السيطرة، لذا خرجت الصرخات الدولية، وليست فقط الصرخات الداخلية بهذا الشأن، مما يثير الغرابة والعجب. فبينما ينادى العالم بمد يد العون لإنقاذ رئة العالم، نرى رئيس تلك البلاد يعتبر أن هذه الصرخات تمثل تدخلًا فى سيادة بلاده، وعلى الجانب الآخر يخرج الصوت من الولايات المتحدة حيث تسلط صحفها الرئيسية مثل الواشنطن بوست يوم السبت من نهاية شهر أغسطس الماضى، بهدف تكاتف الدول لمعاونة الأمازون فى إطفاء حرائقها التى استمرت حتى نهاية شهر أغسطس.
ومن بين هذه الصرخات يخرج الرئيس البرازيلى ليعتبر هذه النداءات تدخلًا فى شئون بلاده وسيادتها كما ذكرنا، بل ويتهم الدول بأطماعها فيما تملكه البرازيل.
أما الرئيس الفرنسى، فإنه يرى ضرورة دعوة رؤساء الدول الكبرى لمناقشة هذه الأزمة ويضع لها عنوانًا «منزلنا يحترق»، وما كان من رد لرئيس البرازيل إلا ليقول «إنه منزلنا نحن وليس منزلكم أنتم» وبلغتنا نحن: وأنت مالك؟.
وعلى الصعيد العالمى، فيرى قادته أن هذه الغابات تشكل رئة العالم، حيث تمد العالم كله بما قيمته ربع كمية الأكسجين العالمى، كما تمتص غابات الأمازون ربع حجم غاز ثانى أكسيد الكربون فى الكرة الأرضية بأسرها، الأمر الذى تدمره حرائق الأمازون بأعدادها المهولة التى بلغت فى هذا الموسم وحده نحو خمسة والسبعين ألف حريق. ولا نملك تعليقًا سوى هذا المثل العربى: «بين حانا ومانا ضاعت لحانا».