زجاج النافذة
انتقل زوجان شابان ليعيشا فى حى جديد. وفى صباح اليوم التالى، وبينما هما يتناولان الإفطار، رأت الزوجة جارتها تنشر الغسيل خارجًا. فقالت فورًا: «الغسيل ليس نظيفًا، إنّها لا تعرف كيف تغسل بشكل صحيح، ربما تحتاج لصابون أفضل»!!! نظر زوجُها إلى الخارج ولكنه بقى صامتًا. وفى كل مرة تقوم الجارة بنشر الغسيل، تقول الزوجة ذات التعليقات. بعد شهر، دُهشت الزوجة لرؤية غسيل نظيف على حبل بيت جارتها، فقالت لزوجها: «انظر، لقد تعلمت جارتنا كيف تغسل بشكل صحيح، ولا أدرى من علمها هذا؟»، فقال لها زوجها: «لقد استيقظتُ باكرًا هذا الصباح، وقمتُ بتنظيف نوافذ بيتنا»!!!
ما أكثر المرات التى نلوم فيها الآخرين وننتقدهم، بينما لو نظرنا إلى أنفسنا بأمانة وموضوعية سنجد أن العيب فينا ومن ثم نحتاج أن نلوم أنفسنا أولًا قبل أن نلوم الآخرين.
كان من عادة اليهود فى وقت مجىء السيد المسيح أن يدينوا غيرهم ولا يحكموا على أنفسهم. وقال عنهم السيد المسيح إنهم «يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل» أى يدققون فى الأمور البسيطة والشكلية ويخطئون فى أمور جوهرية. وقال للفريسيين- رجال الدين اليهود المتشددين المتزمتين: «أيها الفريسى الأعمى نق أولًا داخل الكأس والصحفة لكى يكون خارجهما أيضًا نقيًا»، لأن الفريسيين اهتموا بأن يظهروا للناس مثل الصديقين وهم من الداخل مملؤون اختطافًا وخبثًا. وقال إنهم يشبهون «قبورًا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهى من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة»، لذلك حارب السيد المسيح بشدة الرياء والنفاق والتمسح بمسوح القداسة مع وجود خطايا كثيرة داخل قلب الإنسان.
ومن نتائج النفاق والكبرياء أن يدين الإنسان غيره قبل أن يحكم على نفسه. أن ينتقد غيره على أخطائه، بينما هو يرتكب ما هو أشد من الخطايا والشرور، ويحاول التظاهر بحياة التقوى والورع أمام الناس. لذلك وضع السيد المسيح هذه القاعدة الذهبية «بالكيل الذى به تكيلون يكال لكم» فمن أراد أن يصلح من شأن غيره، عليه أن يصلح شأن نفسه أولًا.
ولكن لا ينبغى أن يحكم الإنسان على غيره فى أمور هو نفسه يستوجب الحكم بسببها أو يفعل ما هو أفظع منها. لهذا قال السيد المسيح: «أخرج أولًا الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيدًا أن تخرج القذى من عين أخيك»، وبهذا سمح المسيح للإنسان أن يخرج القذى من عين أخيه، بشرط ألا تكون هناك خشبة فى عينه أكبر من القذى وتمنعه من الرؤية الصحيحة.
وقال كونفشيوس «قبل أن تتبرم من الجليد المتراكم على عتبة بيت جارك عليك أن تزيل ما تراكم منه أمام عتبة بيتك أولا».
وصدق الإمام الشافعى حين قال:
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا
وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضًا عَيانا.