عبدالرحمن بيصار.. شيخ الاستنارة والانفتاح
وُلِدَ فضيلة الإمام الأكبر د. محمد عبدالرحمن بيصار الأشعرى الشافعى، شيخ الأزهر وتلميذ مفتى الديار المصرية الشيخ محمد عبده، بمدينة السالمية، مركز فوة، بمحافظة كفرالشيخ، والتحق بمعهد دسوق الدينى، وبعد نجاحه بمعهد دسوق ألحقه والده بمعهد طنطا ليكمل فيه دراسته الثانوية، وكان شَغُوفًا بالتأليف فألَّف رواية اسمها «بؤس اليتامى»؛ فأثار عليه حفيظة أساتذته لاشتغاله بالتأليف، وهو عيب كبير فى نظرهم، فأجروا معه تحقيقًا، كانت نتيجته أن ترك معهد طنطا إلى معهد الإسكندرية، حيث وجد فيه عقولًا متفتحة تشجع المواهب الفكرية.
أتم دراسته بمعهد الإسكندرية، ثم التحق بكلية أصول الدين وتخرَّج فيها بتفوق سنة ١٩٤٩م، وتم تعيينه مُدرِّسًا بها، فجذب إليه الطلبة ولفت أنظار الأساتذة، وفى سنة ١٩٤٩م اختاره الأزهر فى بعثة تعليمية إلى إنجلترا؛ فانتقل بين الجامعات الإنجليزية، حيث نهل منها العلم الكثير، ثم استقر بكلية الآداب بجامعة أدنبرة، ونال منها الدكتوراه بتفوق، وعاد بعدها أستاذًا بكلية أصول الدين.
سنة ١٩٥٥م رشَّحته ثقافته ليكون مديرًا للمركز الثقافى الإسلامى بواشنطن، واستطاع الإمام بيصار أن يحظى باحترام وتقدير جميع الطوائف، وظل يدير المركز لمدة ٤ سنوات، وبعدها عاد إلى مصر أستاذًا بكلية أصول الدين.
سنة ١٩٦٣م اختاره الأزهر رئيسًا لبعثته التعليمية فى ليبيا، سنة ١٩٦٨م صدر قرار جمهورى بتعيينه أمينًا عامًّا للمجلس الأعلى للأزهر، فاستطاع بثقافته العالية وخبرته العملية أن ينهض بأعباء هذا المنصب المهم وأدى واجبه على أكمل وجه.
سنة ١٩٧٠م صدر قرار جمهورى بتعيينه أمينًا عامًّا لمجمع البحوث الإسلامية، واستطاع فى هذا المنصب أن يقوم بنهضة علمية كبرى، وسنة ١٩٧٤م خلا منصب وكيل الأزهر، فصدر قرار جمهورى بتعيينه وكيلا للأزهر، ووكيل الأزهر هو المعاون الأول لشيخه، والمتولى تنفيذ قراراته، والقائم بعمله حين غيابه أو مرضه، وكان الدكتور بيصار الساعد الأيمن لشيخ الأزهر، الإمام النورانى الدكتور عبدالحليم محمود وموضع ثقته، وكان يستشيره فى الأمور المهمة ويأخذ برأيه، ولهذا طلب تجديد خدمته أكثر من مرة، إلى أن صدر قرار جمهورى بتعيينه وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر فى ١٥ من أكتوبر سنة ١٩٧٨م.
تخصص فضيلة الإمام الأكبر د. محمد عبدالرحمن بيصار فى الفلسفة الإسلامية، ودرس جوانب هذه الفلسفة دراسة علمية دقيقة، ومن مؤلفاته «الوجود والخلود فى فلسفة ابن رشد، وتأملات فى الفلسفة الحديثة والمعاصرة، والعالم بين القدم والحدوث».
فى آخر يناير سنة ١٩٧٩م صدر قرار بتعيين فضيلة الشيخ الإمام محمد عبدالرحمن بيصار شَيْخًا للأزهر بعد وفاة الشيخ الإمام عبدالحليم محمود.
ويتحدث عن استنارته وانفتاحه الفيلسوف الكبير الدكتور مراد وهبة فيقول: فى عام ١٩٧٧ كنت مدعوًا من جمعية فلسفية فى أمريكا برئاسة العراقى محسن مهدى، الأستاذ بجامعة هارفارد، للاشتراك فى مؤتمر علمى فى سان فرانسيسكو، وكان موضوع بحثى «ابن رشد والتنوير»، وأشاد الجميع به، إلا أن محسن مهدى قال: لفت نظرى فى البحث أنه فى القرن الثالث عشر بدأت الرشدية اللاتينية تشتعل، لكن لا يوجد ماجستير أو دكتوراه فى أوروبا عن فترة القرن الثالث عشر، التى بدأت بترجمة ابن رشد، هذه المعلومة كانت بمثابة صدمة لى، فاقترحت على المؤتمر عقد مؤتمر «الفلسفة الإسلامية» فى القاهرة وحضراتكم مدعوون، الجميع وافق على الدعوة فى الوقت الذى لم يكن فى جيبى دولار واحد.
رفض عميد الكلية ثم رئيس الجامعة د. محمد كامل ليلة، ووافق الدكتور عبدالرحمن بيصار، شيخ الأزهر، فوافق بطرس غالى، وزير الدولة للشئون الخارجية، بعد رفضه تمامًا، اعتذر الدكتور محسن المهدى ومن معه عن عدم الاشتراك، أبلغته بأن المؤتمر سيقام مهما كانت الظروف، وكان عنوان المؤتمر «مرافقة ابن رشد.. ميت فى الشرق.. حى فى الغرب» ونجح المؤتمر بشكل كبير.