عبدالوهاب داود يكتب: وقائع تدمير مدرسة كان لها تاريخ
عند بداية العام الدراسى الماضى، كان هناك شىء غريب، يحدث بالمدرسة التى اخترتها لابنى لتاريخها، وسمعتها، وهى «المدرسة البطريركية بمصر الجديدة - الفرير سابقًا»، وقتها كنت أظن أنها مسائل بسيطة، أو عابرة ولا تستحق الاهتمام، كأن تحصل إدارة المدرسة من كل طالب مبلغ ٢٠٠ جنيه دون إيصالات، أو بيان، سوى ورقة صغيرة، بلون الإيصالات الرسمية للمدرسة، غير مختومة، ولا موقعة، مكتوب بها عبارة غامضة «أمن وحراسة لحين استخراج إيصال»، فى البداية استغربت العبارة، وظننت أنه يتم تحصيلها لصالح وزارة الداخلية مثلًا، أو أنها سوف تذهب لوزارة التعليم لتحويلها، لكننى عندما استفسرت تيقنت أن الوزارة لا علاقة لها بالأمر، لا الداخلية ولا التعليم، ولا أى وزارة من أى نوع، ثم انتظرت «استخراج هذا الإيصال» الذى انتهى العام ولم تظهر له «جُرة»، ولم يصلنا من المدرسة أى توضيح بشأنه، كما لم أفهم ما علاقة إدارة منشأة تعليمية بتحصيل رسوم للأمن والحراسة.
مع بداية الاستعدادات للعام الدراسى الجديد، توالت الأحداث بشكل متسارع، وتوالت المعلومات عن إجراءات، تهدد مستقبل الطلاب، والمستوى التعليمى. وكانت البداية مع إبلاغ أولياء الأمور بزيادة الرسوم للعام الجديد، بنسبة تقترب من ٥٠ بالمائة، بالمخالفة لتعليمات وزارة التربية والتعليم التى تنص على عدم جواز أى زيادة على حدود ١٠ بالمائة، ثم الإعلان عن إلغاء القسم الفرنسى، ابتداء من العام الجديد، رغم أنها فى الأساس مدرسة فرنسية، تبعها قرار بإلغاء الزى القديم والاتفاق على زى جديد، وغيرها من الإجراءات التى لم يقبل بها أحد من أولياء الأمور، لتبدأ معها التحركات ضد الإدارة الجديدة، التى اتضح أنها السبب المباشر فى كل الأزمة التى أخذت تتفجر وتتصاعد يومًا بعد يوم، وضد قراراتها غير المفهومة، ولاستعادة المدرسة التى كانت محط أنظار وتطلعات الجميع، أملًا فى تعليم جيد لأبنائنا.
حاول أولياء الأمور التفاهم مع إدارة المدرسة، والتوصل إلى حلول منطقية، إلا أن الإدارة ركبت رأس العند، وقابلت كل ما وردها من شكاوى واعتراضات، بطريقة غير لائقة، سواء بالتجاهل، أو الردود المتعالية من نوعية «اخبطوا دماغكم فى الحيط»، فلم يكن أمامنا سوى التوجه إلى إدارة مصر الجديدة التعليمية بشكاوى ضد الإدارة غير القانونية للمدرسة، متمثلة فى الأب فريد عطا، ومعاونه أوزوريس ونيس، تضمنت مطالب عامة وأساسية، حفاظًا على هوية المدرسة وسمعتها، وحفظًا لحقوق أبنائنا الطلاب ومراعاة لمصالحهم، وفى مقدمتها الاستغناء عن إدارة الأب فريد عطا، وكل من يمثلها، أو برفع يده تمامًا عن التدخل فى السياسات الإدارية والمالية والتعليمية بالمدرسة، حال الإبقاء عليه، وتحديد صلاحياته وفق حدود منصبه باعتباره مجرد ممثل للجهة المالكة للمدرسة.
وجاء فى نص الاستغاثة المرفوعة من أولياء الأمور إلى بطريركية الأقباط الكاثوليك، المالكة للمدرسة: «طلبنا أكثر من مرة لقاء الأب فريد للتظلم، ومراجعته فيما اتخذه من إجراءات، لكنه رفض تمامًا التواصل مع أولياء الأمور، بل ووصل الأمر إلى تجاوز سكرتاريته مع أولياء الأمور أمام المدرسة والتطاول عليهم والاشتباك معهم، مع مواصلة عملية تخريب المدرسة، بقرارات غير منطقية، ولا مفهومة، فتعمدت الإدارة الحالية الاستغناء عن مدرسين أكفاء، واستبدالهم بمن هم أقل كفاءة وخبرة؛ وإصدار منشور يهدد بشطب تسجيل ملفات الطلاب المقيدين الذين يتأخرون عن سداد الرسوم الجديدة قبل منتصف شهر يوليو، ما يخالف تعليمات الوزارة، بخلاف فرض إتاوات مالية جديدة بدعوى تغيير الكتب والمشتملات الدراسية»، وقالت المذكرة «إنه سبق لنفس هذه الإدارة تحصيل مبالغ مالية متكررة، تحت مسميات مختلفة؛ منها رسوم أمن، ومصاريف أنشطة، وطبع ورق، بإيصالات غير مختومة، الأمر الذى افترضنا حسن النية بشأنه فى البداية، قبل أن يتبين أن لإدارة الأب فريد نهجًا متكررًا يتسم بطبع إيصالات مختومة للمعاملات المالية الرسمية، وأخرى لا يتم ختمها للتحصيلات غير الرسمية».
وأضافت الاستغاثة التى تم تسليمها إلى سفارة الفاتيكان بالقاهرة، «أن الإدارة الحالية للمدرسة فرضت تغييرًا كاملًا للزى العريق المميز بجميع مراحلها الدراسية، وهو ما اعترض عليه أغلب أولياء الأمور، وألزمت الجميع بالتعامل مع محلات بعينها، دون أن تكشف لا عن طبيعة هذا الزى الجديد ولا سعره، الأمر الذى يشى بسوء نية وشبهة تربح، والأهم من هذا كله أنه منذ رحيل الأب عامر، لا يوجد مجلس أمناء، ولم يتم إخطار أحد بتشكيله، وهو ما يعنى أن كل هذه الإجراءات والقرارات الفجائية المخالفة لم تخضع للعرض على مجالس أولياء الأمور، ولم تتم استشارتهم بشأنها».
اللافت أننى علمت من بعض أولياء الأمور، والإداريين المفصولين تعسفيًا منذ رحيل الأب عامر، أن تاريخ الأب فريد عطا، ومعاونه السيد أوزوريس، لم يكن بحال من الأحوال يرشحهما لإدارة مدرسة عريقة مثل «الكلية البطريركية»، ولا حتى جمعية أهلية، وأن هناك ما هناك من حكايات، وصلات، وخيوط، وعلاقات يبدو أن عملية تجميع وثائقها، وأوراقها، وربطها ببعضها البعض، قد أوشكت على الاكتمال لتشكل معًا فضيحة، أظن أن المطرانية الكاثوليكية فى غنى عنها.
والحقيقة أننى حتى هذه اللحظة لا أعرف ماذا يؤهل «طبيب أسنان» يمارس مهنته بانتظام لإدارة صرح تعليمى، كالكلية البطريركية؟ ولا ما المؤهلات التى راجعتها إدارة مصر الجديدة التعليمية، قبل أن تسمح له بتولى تلك المهمة لمدة عام دراسى كامل؟ اللهم إلا إذا كان ما يتم هو تجاوز كامل للإدارة، والوزارة، واللهم إلا إذا كان الهدف من ذلك كله هو تدمير صرح تعليمى كان له تاريخ!.