أين الأخلاق؟
فى زمن نسمع فيه عن التقدم العلمى حتى وصلت إلى عالمنا طائرة بدون طيار تجوب أنحاء العالم، ومن اخترعوها يتابعونها عن بعد آلاف الكيلومترات، ويتلقون ما تقوم به هذه الطائرة من نقل للأحوال والأهوال التى تصادفها أو تقابلها، وتظل هذه الطائرة تحلق فى المناطق الموجهة إليها، ولا ندرى كيف يتم إمدادها بالوقود، هذا إذا كانت تحتاج إليه، ومن اخترعوها قادرون على التحكم فيها لكنهم لا يستطيعون الدفاع عنها إذا ما خرجت عليها جحافل التدمير لتحرقها فى الفضاء.
هذا ما حدث للطائرة التى تطير بدون طيار، ولكنها لا تستطيع الدفاع عن نفسها إذا ما أراد لها ذلك من يريد حتى خرج عليها صاروخ جوى يدمرها محترقة فى لحظات، وقامت دنيا من اخترعها حتى قيل إن تكلفتها ما بين مائة وخمسين إلى مائتى مليون دولار أمريكى، ودافع المدمر أن الطائرة العجيبة اقتربت من أجواء بلاده فدمرها فى الهواء، وواضح من الحوار المتبادل بين الطرفين، مالك الطائرة ومدمرها، أن العبرة لم تكن فى ثمن هذه الطائرة العجيبة ولكن فى الاعتداء على كرامة المالك والمخترع من جهة، والمهاجم المدمر من جهة أخرى الذى قال إنه يحمى أجواء بلاده.
وبدأت التصاريح تتداول، هل سيدافع مالك الطائرة العجيبة عن كرامة بلاده فيهاجم المعتدى مع احتمال مزيد من الخسائر، ولن يقف الطرف الآخر متفرجًا على ضربات المهاجم وبالتالى تتفاقم الخسائر بين الطرفين، أم سيكتفى الطرف الأمريكى بالإدانة اللفظية دون تعريض لمزيد من الخسائر ليس فى معدات حربية فقط ولكن فى الأرواح التى لا تعوض ولاسيما أن الرئيس الأمريكى مشغول بالاستعداد للفوز بمدة ثانية لرئاسة بلاده، وأى خسائر فى معارك من هذا القبيل ستؤثر سلبيًا على حصوله على فترة أخرى وتتكرر تجربة الرئيس كارتر الذى خسر الفترة الثانية لحدث مماثل لم يكن فى خسارة طائرة بدون طيار ولكن فى عدد من الأمريكيين وإن كانوا لا يزيدون على عدد أصابع اليد الواحدة، ولكن بقيت المشكلة أمام الشعب الأمريكى أن إدارة الأزمة لم تكن ناجحة، وبالطبع ليس لرئيس دولة عظمى أن يكرر موقفًا قد يؤثر لا على دورة رئاسية فقط ولكن يؤثر على مكانة بلاده التى تهم كل شعبها.
صحيح أن أمريكا خسرت طائرة بدون طيار ولكن بقى العقل المفكر والمخترع فى أمن وسلام، ومن وصل إلى القمر ونزل على أرضه ونقل للعالم كله أن القمر هو كوكب مثل الكوكب الأرضى بل ويزيد ويمكن أن يصبح عالمًا جديدًا يسكنه بشر ويقيمون عليه مبانٍى وعمرانًا امتدادًا للكرة الأرضية، وقد شاءت الأقدار أن كنّا فى الولايات المتحدة للدراسة فى إحدى جامعات نيويورك بين عامى ١٩٦٩ وعام ١٩٧٠ وشاركنا فى مواجهة دعوى أقامتها سيدة يهودية ضد الرئيس الأمريكى تطلب تعويضًا كبيرًا لأن رجال الفضاء أقاموا الصلاة على أرض القمر وتركوا الكتاب المقدس أى الإنجيل مفتوحًا على المزمور التاسع عشر والذى به هذا النص: «السماوات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه، يوم إلى يوم يذيع كلامًا، وليل إلى ليل يبدى علمًا».
وعودة إلى طائرة بدون طيار يتحكم فيها عقل المخترع وعلى الجانب الآخر قوة مدمرة تستطيع إسقاطها فى لحظات محترقة، ولكن يبقى عقل المخترع الذى لا يتوقف عن المزيد وقد يصل إلى طائرة أخرى بدون طيار ولها القدرة على مراوغة الهجوم أو الدفاع عن نفسها، فالعقل البشرى قادر على المزيد، وعلى الجانب الآخر يبقى العقل المدمر الذى يقاوم، ويبقى الإنسان حائرًا بين عقول بشر أمثالهم منهم من له عقل يطور وينمى ويعتنى فيغتنى، وعقل يدمر فيضيّع ويفتقر وكم هو الفارق بينهما، بين من يفكر فى غزو عالم جديد اسمه الكرة القمرية وعقول مدمرة لأركان على الكرة الأرضية.
ويبقى من يعانون من بشر ما بين أطفال جوعى ومرضى عاجزين عن الحصول على جرعة ماء نقى ولقمة عيش تسدّ الجوع وقليل من دواء يخفف الأوجاع، وعلى الجانب الآخر أغنياء لم يرثوا غناهم وإنما كانت ثرواتهم حصيلة استغلال لفقراء يفلحون أرضًا لا يملكونها، ومصانع تدر أرباحًا يديرها صبية لم ينالوا قسطًا من تعليم.. والنتيجة المتوقعة الفقير يزداد فقرًا والغنى يزداد غنى، وتبقى الكرة الأرضيّة تدور ولسان الحال يقول وعلى البغاة تدور الدوائر ويبقى السؤال فى انتظار جواب: وأين الأخلاق؟.