كيف أحيا السادات جماعة الإخوان؟؟
فى بداية حكمه بدأ الرئيس محمد أنور السادات فى الاعتماد على الأفكار الإسلامية كبديل للأفكار الاشتراكية واليسارية التى كانت سائدة فى ذلك الوقت، والتى كانت إحدى الأيديولوجيات السياسية التى تحكم نظام الحكم فى عهد عبد الناصر ، فى البداية قرر السادات فى دستور 1971 أن الإسلام هو الدين الرسمى للدولة، وأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى من مصادر التشريع، كما تبنى شعار دولة العلم والإيمان.
وفضل الاعتماد على سياسة ذات ثلاثة اتجاهات فى المجال الإسلامى , تعتمد على: إرضاء مؤسسة الإسلام الرسمية ممثلة فى جامعة الأزهر والمساجد الحكومية الكبيرة وذلك للحصول على دعم وتأييد القيادات الإسلامية فى مصر.
استرضاء جماعة الإخوان المسلمين لتحييد المعارضة الإسلامية الأصولية، واستغلال قوتها التنظيمية ضد الناصريين .. قمع الجماعات الأصولية المتطرفة التى تهدد النظام.
فى أول نوفمبر 1970 زار القاهرة كمال آدهم -المسئول عن المخابرات السعودية ومستشار الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية- وكانت له صلات وثيقة بالمخابرات المركزية الأمريكية، وتحدث مع الرئيس السادات عن الوجود السوفيتى فى المنطقة العربية، وصارحه بضرورة إحياء النزعة الإسلامية.
وبعدها قام الرئيس السادات بتكليف الدكتور محمود جامع صديقه بالسفر إلى الخارج ومقابلة قيادات الإخوان المسلمين الهاربين ومنهم يوسف القرضاوى والدكتورأحمد العسال والمهندس عبد الرءوف مشهور، وعبد المنعم مشهور والدكتور سالم نجم والتحدث معهم، واستطلاع نواياهم وطمأنتهم تمهيدا لعودتهم.
وتأكيدا لحسن نواياه بادر السادات بالإفراج عن قيادات الإخوان المسلمين المعتقلين فى السجون، وأعطى التعليمات بعودة الجنسية المصرية لمن سحبت منهم فى عهد عبد الناصر ومنهم والدكتور سالم نجم الذى حصل على جنسية العراق، وإعاده السادات إلى عمله كأستاذ فى طب الأزهر، وفى صيف 1971 نجح الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية فى إقناع الرئيس السادات بلقاء عدد من المصريين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين لقاء سريا فى استراحة الرئيس بجناكليس، وكان هؤلاء من الذين نجحوا فى الفرار من مصر أثناء القبض على تنظيم 1965 بعد أن حصل لهم الملك فيصل من السادات على ضمان بعدم القبض عليهم وتأمين دخولهم مصر وخروجهم منها.
كان السادات وقتها منتشيا بالانتصار على مجموعة مراكز القوى الشهيرة التى كانت تؤرقه، وعرض عليهم السادات تسهيل عودتهم النهائية إلى مصر، ولكنهم تشككوا فى نواياه باعتباره واحدا من رجال ثورة يوليو التى ذاقوا على يديها الويل، فى بداية عام 1972 بدأ بعض اليساريين فى الهجوم على الرئيس السادات، وهو العام الذى عرف فى أوساط المثقفين والسياسيين بـ «عام الضباب» حسب تسمية الرئيس السادات له لتبرير عدم قيامه بشن الحرب على إسرائيل وتحرير سيناء فى عام 1972 كما وعد من قبل فى خطاباته. وهذا ما أقنع السادات أن اليسار يتربص به، وقتها سأل الرئيس السادات محمد عثمان إسماعيل مستشاره المقرب والذى عاونه فى الإطاحة بمراكز القوى، وأمين تنظيم الحزب الذى يرأسه السادات، عما يجب عمله .
وأخبره محمد عثمان إسماعيل أنه لا سبيل للخروج من تلك الأزمة سوى عودة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، ودعوته للعمل السياسى.
وضرب محمد عثمان للرئيس السادات مثلا بأنه أثناء وجوده بجامعة فؤاد الأول كان لجماعة الإخوان المسلمين وجود بارز بين الطلبة لأن المنضمين إليهم لهم عقيدة يؤمنون بها، وكان يكفى أن يقف أحد الطلاب يقول بصوت عال «الله أكبر ولله الحمد» وفى ثانية واحدة يتجمع حوله الآلاف كأن الأرض انشقت وأخرجتهم من بطنها .
بعد تفكير وافق السادات على عودة جماعة الإخوان المسلمين بشرطين هما: 1- ألا يدخل فى التنظيم الجديد الذى سيشكله محمد عثمان من كان فى الجهاز السرى للإخوان المسلمين.
2- أن يعود التنظيم باسم آخر غير الإخوان المسلمين، وهنا سأله محمد عثمان بصراحة ووضوح : أتكلم معهم ياريس فى هذا الموضوع؟ ووافق الرئيس السادات.
فى تلك الفترة وقع حادثان كانت لهما دلالة كبيرة، وكان من الممكن أن يؤثرا فى تفكير السادات لتغيير اتجاهاته. وهما حادث الكلية الفنية العسكرية عام 1974.
وحادث مقتل الشيخ الذهبى عام 1977 .
غير أن السادات تغاضى عما حدث واستمر فى سياسته التى أشرنا إليها .
وبدأ فى مطاردة فلول اليسار، وبقايا الشيوعية، اعتقادا منه أنهم يريدون هدم حكمه، والتخلص منه، بناء على تخطيط محكم. وفى أغسطس 1977 استقبل الرئيس السادات الشيخ عمر التلمسانى -المرشد العام للإخوان المسلمين- كان السادات قد أفرج عنه عام 1971، وفى هذا اللقاء أخبر السادات ضيفه أنه يصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، وأنه لن يتوانى عن تطبيق شرع الله، ولكن الأمر يحتاج إلى مزيد من الصبر والحكمة , ومزيد من التوازنات.
وخرج الشيخ التلمسانى من هذا اللقاء وهو فى غاية الاطمئنان، وتحدث إلى زملائه أعضاء مكتب شورى الإخوان بما رآه، وقارن بينه وبين سلفه الرئيس جمال عبد الناصر، وقال لهم: كان عبد الناصر يخطط لإبادة المسلمين والسادات يخطط لقيام شرع الله. سبحان الله.
كما بدأ الشيخ حافظ سلامة فى الظهور فى الندوات التى تعقد بمناسبة الذكرى السنوية لحرب أكتوبر، وهو من أقطاب جماعة الإخوان المسلمين فى السويس.
كان الشيخ حافظ سلامة يعقد ندوات يتحدث فيها عن دوره فى حصار السويس، وكان أثناء الندوات يسب الحكام «الذين يتشبهون بملوك النصارى ولا يقيمون شرع الله». وكان يقصد الرئيس السادات، وبدأ يخطب فى المساجد التى يدعى إليها، وكان ينهى خطبته دائما بقوله «إن النازلة آتية، والصاعقة فى الطريق».
وفى ندوة الفكر الإسلامى التى عقدت بالإسماعيلية فى خلال شهر رمضان الموافق أغسطس 1979والتى حضرها الرئيس أنور السادات فى مدينة الإسماعيلية، وحضرها الشيخ عمر التلمسانى وجه فيها الرئيس السادات انتقادات عنيفة إلى جماعة الإخوان المسلمين واتهمها بتهم كثيرة، من بينها التخريب والعمالة وإشعال الفتنة الطائفية وإثارة الطلبة. فوقف الشيخ عمر التلمسانى وقال للرئيس: لو أن أحدا غيرك وجه إلى هذه الانتقادات لشكوته إليك، أما وأنت صاحبها فإننى ليس أمامى إلى أن أشكوك لله أحكم الحاكمين وأعدل العالمين، لقد آذيتنى يا رجل.
ارتبك الرئيس السادات وقال: أنا لم أقصد الإساءة إلى الشيخ عمر ولا للإخوان، اسحب شكواك يا شيخ عمر.
وبعد الخطاب أرسل السادات كلا من الدكتور عبد المنعم النمر- وزير الأوقاف- ومنصور حسن -وزير الثقافة- لترضية الشيخ عمر التلمسانى.
■ خبير أمنى