الذكرى 104 لإبادة الأرمن
حسب نصوص هيئة الأمم المتحدة (معاهدة منع جريمة الإبادة لسنة 1948 والمعدّلة سنة 1985)، هناك ثلاثة شروط واجب توفرها للحديث عن إبادة عرقية، وهي:
أولًا: أن يكون الضحايا منتمين إلى مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية.
ثانيًا: أن يجري قتل أعضاء هذه المجموعة أو اضطهادهم بسبب انتمائهم لتلك المجموعة، مهما كانت الوسائل المعتمدة لتحقيق هذا الهدف.
ثالثا: أن تكون تلك الإبادة جريمة جماعية مقصودة ومقترفة من قِبل ذوى السلطة فى البلد سواء أكان ذلك باسمهم أو برضاهم الظاهر أو الضمنى.
ووفقًا لهذه التعريفات، سيجد الأتراك صعوبة بالغة في نفي وإنكار جريمة الإبادة العرقية الخسيسة التى اقترفوها- على دفعات- في حق الأرمن، إلا أن أكبرها وأقساها وأكثرها شرًا كانت تلك التي وقعت قبل مائة وأربع سنوات، تحديداً في 24 أبريل 1915.
في ذلك اليوم انقضت قوات عثمانية أُطلق عليها (تشكيل مخصوص) على النخبة الأرمنية، كانت مهمتها في البداية اعتقال كل المفكرين والسياسيين والأدباء ورجال المال والأعمال المنتمين للطائفة الأرمنية التي شكّلت في ذلك الوقت عنصرًا رئيسيًا من عناصر الدولة العثمانية بالأناضول، وتم تجميعهم في أنقرة، ومن ثم لم يرجع أي من هؤلاء الأرمن إلى بيته أبدًا، جرى إعدامهم جميعًا، هكذا أصبح جسد الشعب الأرمينى بلا رأس.
أعقب ذلك عملية نزع السلاح من الجنود الأرمن في الجيش العثماني، وتسخير هؤلاء الجنود في أعمال مهلكة وفي ظروف قُصِد بها قتلهم لا إنجاز تلك الأعمال التي تمثلت في مد السكك الحديدية وبعض أعمال الحفر والإنشاء. أيضًا اقتيد بعض هؤلاء الجنود إلى المضائق الجبلية وأطلق عليهم الرصاص من الخلف.
ثم صدرت الأوامر العثمانية لكل المواطنين الأرمن، من الولايات الشرقية الست في الأناضول التي سكنوها قبل آلاف السنوات من ظهور الأتراك في الأناضول، بضرورة إخلاء مدنهم، دون الحق حتى في بيع ديارهم ومقتنياتهم، وبعدها بدأت المعاناة الكبرى، حيث وُضع الأرمن في مسيرات، كان هدفها المعلن إبعادهم المؤقت عن شرق الأناضول وعن خط الاشتباك مع القوات الروسية، خاصة أن الجيش الروسي أيضاً ضم بين صفوفه بعض الأرمن الروس، وهي الحجة التي تبنتها الدولة العثمانية لتنفيذ جريمة خسيسة، هذا لأن الهدف المستتر من تلك المسيرات كان القضاء الكامل على كل الأرمن في الأناضول.
استهدفت القرارات العثمانية ظاهريًا إجلاء الأرمن إلى حلب في سوريا والموصل في العراق، وكان على هؤلاء المساكين قطع مئات الكيلومترات مشيًا، تحت حراسة الجندرمة العثمانية، الذين ارتكبوا كل السفالات في حق الأرمن، من قتل واغتصاب وسرقة، بل وحتى بيع، علاوة على تآمر القوات التركية مع عصابات الفرسان الكردية: (تشيتيز) بحيث كان يسمح للأكراد بالإغارة والقتل والنهب على المسيرات الأرمينية المهجّرة جنوباً.
البشوات الثلاثة المسئولون عن تلك الجريمة هم، محمد طلعت باشا الصدر الأعظم الداخلية، وإسماعيل أنور وزير الحربية، وأحمد جمال وزير البحرية. ثلاثة أتراك حكموا الإمبراطورية العثمانية بدايات القرن العشرين وقادوها للهزيمة في الحرب العالمية الأولى، وقادوها أيضاً لاقتراف هذه الإبادة التاريخية التي ستبقى وصمة خزي ومهانة في التاريخ التركى. وقد أدانتهم المحاكم التركية نفسها، بعد سقوط الاتحاد والترقى وتسلم الشباب حكم تركيا. إلا أن الدولة التركية الجديدة سرعان ما تنكّرت لأحكام تلك المحاكم (1920-1921) وباتت تصدّر رواية مختلفة تقر فيها بأي شيء إلا ذنبها في اختفاء مليون ونصف المليون أرمينى من شرق الأناضول، في غضون ثلاثة أشهر فقط، بين أبريل ويوليو 1915. نجا منهم قلة قليلة رحلوا إلى العراق وسوريا ولبنان ومصر والأردن وبعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.
اليوم، تعترف الكثير من دول العالم بالإبادة العرقية للأرمن، ويضيق الخناق على تركيا يومًا وراء الآخر، لا سيما أن الكثير من الدول الوازنة في العالم باتت تقر بها، مثل الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا وفرنسا وغيرها.
وخلال أعوام قليلة قادمة، سترتاح أرواح الأرمن القتلى، عندما تتزايد الدول التى تعترف بالإبادة، وحينها يتعين على الجمهورية التركية، دفع حساب ما اقترفته تركيا العثمانية.